الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

من أرشيفي الخاص : مقالات العمود في جريدة الصباح

أرشيف كتاباتي الصحفية
 مقالاتي في جريدة الصباح
 لسنة 2010 (2)
قبل عشرة أيام توليت نشر مجموعة من المقالات بعد مقدمة تناولت فيها ظروف عودتي للجريدة بعد أن تم طردي منها على إثر 41 سنة قضيتها في رحابها وارتقيت فيها من مجرد محرر بسيط إلى رئيس تحرير لأول وأكبر جريدة يومية في البلاد.
أعطتني الصباح الكثير ، وأعطيتها عمري، وبعد عشر سنوات من الغياب، كنت أشعر فيها بأني في المنفى طلب مني أن أعود إلى رحابها، لتولي مسؤوليات فيها، فاقتصرت على القبول بكتابة عمود مرتين أسبوعيا، ولقد قضيت سنة وأنا أتولى ذلك، وعملت على استكتاب عدد من القمم الصحفية والأدبية خلال ذلك العام، ومن هنا فإني قررت نشر هذه المقالات تباعا على مدونتي "الوسط"، حفظا لها وتسهيلا للعودة إليها بدل إصدارها هي ومثيلتها في صحف أخرى في كتاب لا يسعها ، وقد لا تتسع لها عدة كتب، وهذه هي الحلقة الثانية من تلك الكتابات العمودية التي نشرت خاصة خلال شهر فيفري 2010.




الأمل الضائع
بقلم عبداللطيف الفراتي

انتهى الناس من عامهم المنقضي في عدة مناطق من المغرب العربي على أمل أن لا تنقضي السنة 2009 حتى يكون قد تحدد موعد القمة المؤجلة تباعا لرؤساء الدول المغاربية منذ 1994، وكان عقد مؤتمر لوزراء الخارجية المغاربيين هو سبب تحريك الأمل، غير أن الوزراء اجتمعوا وانفضوا دون أن يبدو أنهم تدارسوا حتى مجرد تدارس موضوع احتمالات عقد القمة ، فكيف تحديد موعدها.
وتتواصل مسيرة اتحاد المغرب العربي العرجاء ، بدون انعقاد مؤسسته العليا منذ 16 سنة أي بدون اتخاذ القرارات الواجب اتخاذها والتي بقيت معلقة سنة بعد سنة.
وإذا كان للإجتماع الدوري لوزراء الخارجية ، أو لمجالس وزارية أخرى متعددة بعض الصلاحيات بفعل بنود الميثاق ، فإن هذا الإجتماع الذي ينعقد دوريا وفي مواعيده المحددة لا يتمتع بالصلاحيات العليا التي لها وحدها إمكانية بناء الوحدة المغاربية المأمولة على طول وعرض المنطقة من الأطلسي وحتى حدود مصر التي رشحت نفسها منذ العام 1994 لعضوية الإتحاد المغاربي دون أن يتخذ قرار بهذا الشأن لغياب انعقاد قمة لا تنعقد.
ولعله من الغرابة بمكان ، أن تسري ككل مرة أخبار لا يعرف أحد مصدرها ، ولكنها تنتشر بسرعة سريان النار في الهشيم تؤكد أن وزراء الخارجية سيحددون هذه المرة موعد القمة المغاربية  ، فيما مكانها معروف ومحدد بحكم بنود الميثاق.
فما دام الخلاف المغربي الجزائري قائما حول قضية الصحراء الغربية، فإنه لا مجال للحديث عن قمة ولا هم يفرحون أو يحزنون، وفي ما تقول المغرب إن الجزائر هي سبب المعضلة، بالتهديد المتواصل لسلامتها وحرمتها الترابية ، عبر إيواء البوليزاريو، ومحاولات فصل الصحراء عن الوطن المغربي الأم ، يذكر الجزائريون أنهم ليسوا مطلقا في وارد الأمر ، وأن قضية الصحراء هي قضية تحرير وطني، وأنهم يؤيدون شعبا يكافح من أجل استقلاله كما سبق للجزائر أن  أيدت حركات تحرير أخرى كثيرة.
ولقد كنت حاضرا شخصيا في لقاء بين الرئيس بورقيبة والرئيس بومدين في ضاحية نادي الصنوبر  - ولم يكن  دعي الصحفيون لمغادرة المكان ـ بمناسبة انعقاد القمة العربية التي انعقدت في أعقاب حرب أكتوبر 1973، عندما قال الرئيس الجزائري آنذاك أنه ليس معنيا بقضية الصحراء، وكان ذلك في إقامة الرئيس التونسي بمناسبة ما كان يؤديه الرئيس الجزائري لزملائه العرب من زيارات مجاملة في مقر إقاماتهم أثناء القمة ، وهي زيارات تقليدية يؤديها رئيس الدولة المضيفة إلى زملائه عدا ما يقع تبادله من زيارات بين رؤساء الدول غالبا ما تكون مجاملية لا غير.
غير أن المواقف تغيرت وتطورت في سنة 1975 أي بعد ذلك بعامين ، وبات موضوع الصحراء قضية تم عرضها على محكمة العدل الدولية ، فأفتت فتوى أمسكت فيها العصا من وسطها ، مؤكدة أن سكان منطقة الصحراء كانوا يدينون بالولاء والبيعة لملك المغرب ، ولكنه لم يبسط عليهم سيادة الدولة المغربية. ورأت الجزائر من جهتها أن للصحراويين حق تقرير المصير، الذي قبلت به المغرب ولكن بشرط أن لا يؤدي إلى فصل ما تعتبره تاريخيا أرضها، متهمة الجزائر بأنها تسعى لفصلها عن عمقها الإفريقي ولإقامة دولة تابعة تفتح لها منفذا على المحيط الأطلسي.
والنتيجة أن هذه القضية سممت الأجواء في المنطقة، فتعطل عمل اللجنة الإستشارية الدائمة للمغرب العربي المحاولة الأولى للقيام بعمل وحدوي وإن كان مقتصرا على النواحي الإقتصادية ، حتى أفضت إلى نهايتها بقيام اتحاد المغرب العربي  سنة 1989 ، في زمن تمت فيه مصالحة بين الجزائر والمغرب ، واجتمع فيها بمبادرة من الملك فهد في زيرالدا الجزائرية أولا ثم في مراكش المغربية  ثانيا رؤساء الدول المغاربيين ، وخرجوا بوحدة اعتمدت ميثاقا متقدما وأجهزة ومؤسسات سرعان ما تعطل بعضها وما زال بعضها الآخر يشتغل ولكن بلا روح.
وبعد 5 سنوات من محاولة نسيان قضية الصحراء، بل واعتبارها أمرا خارج إطار البحث، عادت القضية لتخيم من جديد ، فتعطل منذ سنة 1994 العمل الوحدوي المغاربي ، واستحال عقد قمة هي الكفيلة وحدها بحل المشكل إن توفرت الإرادة الصادقة، بل وازدادت العلاقات تدهورا فأغلقت الحدود البرية بين الجزائر والمغرب.
على أن هذا الوضع على ما فيه من سلبيات لم يمنع من بصيص أمل يخرج من حين لآخر محاولا بث شعاع من نور خافت، فخلال الدورة الأخيرة لمجلس وزراء الخارجية اتخذت عدة قرارات اعتبرت إيجابية، من ذلك ما تم من اتفاق على قيام بنك التنمية والإستثمار المغاربي برأسمال قدره 500 مليون دولار على أن يكون مقره بتونس ، ويتولى فيه منصب رئيس مجلس الإدارة جزائري بينما تسند الإدارة العامة التنفيذية إلى تونسي، ويؤمل وقد تم جمع رأسلمال واتخذت كل إجراءات التأسيس أن يساهم هذا البنك في تطوير التجارة البينية وتمويل المشروعات والمنجزات المشتركة أو المنفردة.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فقد أسفر الإجتماع عن تقدم على صعيد إنجاز اتفاقية للتنسيق والتعاون بين الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي والأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي ، بما من شأنه أن يفضي لا فقط لتبادل المعلومات والخبرات بل وخاصة لاحتمالات القيام بتنفيذ مشروعات مشتركة.
وإذ حقق مجلس التعاون الخليجي خطوات موفقة كبيرة رغم الصعوبات التي اعترضته خلال كل مراحل الإنجاز ، فإن الخلاف الجزائري المغربي يحول اليوم دون قطع مثل تلك الخطوات، وإن كانت هناك مشروعات مغاربية طموحة لا يبدو أن هناك موانع لتنفيذها تهم خاصة احتمالات قيام سوق مغاربية مشتركة وفي نفس الوقت منطقة للتبادل الحر.
وكما يقول المثل العربي فإن أخاك مضطر لا بطل ، فانخراط الكل أو يكادون  في الإتحاد الأوروبي  في شكل شراكة متقدمة فرض على الجميع أن يتحرك في اتجاه هذه الخطوات التي فرضها واقع إقليمي ودولي أكثر مما فرضتها إرادة سياسية تبدو غائبة ما دامت قضية الصحراء الغربية قائمة.


‏10‏-02‏-2010
ليوم الأحد 14 فيفري 2010
إلى أين ؟
بقلم عبداللطيف الفراتي *
عطفا على مقالنا السابق بعنوان "التصحر الديمغرافي " (1) يجدر بنا أن نتوقف قليلا حول ما ينتظر بلادنا خلال العشرين أو 25 سنة المقبلة، معتمدين على إسقاطات سكانية تولاها المعهد الوطني للإحصائيات ، وهو مؤسسة تكاد تكون أكاديمية لفرط جديتها ، وموضوعيتها.
وباختصار فإن عدد سكان البلاد، سيمر من منتصف سنة 2009 إلى سنة 2034 وفقا للفرضية المعتمدة ، من 10 ملايين و432 ألف وخمسمائة ساكن إلى 12 مليون و742 ألف ساكن أي بزيادة لا تفوق 2 مليون و300 ألف في 25 سنة.
أكثر من ذلك فقد أفاد تقرير وصف بأنه رسمي منشور على أعمدة الصــحيفة الأليــكترونية " إيلاف " نقلا عن صحيفتنا "الصباح"  أنه من المتوقع أن يبدأ عدد سكان تونس في التناقص بحلول منتصف القرن حيث ستفوق نسبة الوفيات نسبة الولادات بحلول العام 2049.
وستظهر "بشائر" ذلك منذ سنة 2014 .
ففي العام 2008 كانت نسبة الأطفال بين 0 و14 سنة تشكل 24.2 في المائة تقريبا أي ربع العدد الجملي للسكان، مقابل 9.7 في المائة لمن فاقوا الستين.
 ولكن التوقعات تفيد بأن نسبة أولئك الأطفال ستتراجع في أفق سنة 1934 تحت عتبة 18 في المائة وبالتحديد 17.9 في المائة فيما سيصار إلى نسبة لمن يفوقون الستين تكاد تصل إلى 20 في المائة وبالتحديد 19.8 في المائة أي أكثر من عدد الأطفال.
أما الشبان والكهول بين 15 و59 سنة فإن نسبتهم ستقل من 66 في المائة سنة 2008  إلى 62.3 في المائة سنة 2034.
كل هذا يوحي بأن نسبة كبار السن ستتضاعف بالقياس للعدد الجملي من السكان بعد 25 سنة ، بينما تتقلص نسبة الأطفال  تحت 15 سنة بحوالي 25 في المائة.
وسيزداد الأمر حدة في السنوات الموالية وإلى حدود منتصف القرن الحالي عندما يتطور عدد الوفيات إلى ما فوق عدد الولادات ويبدأ عدد السكان بالتناقص بعد أن يكون بلغ 13 مليونا فقط سنة 2049، لينزل تباعا إلى 12 ثم 11 ثم 10 ملايين.
هذه الحقائق الصماء التي لا مجال للهروب منها، ستفرض واقعا جديدا يحتاج ومن الآن إلى تخطيط محكم للمستقبل ومقتضياته.
فعندما يصل عدد الذين في سن النشاط لإعالة عدد أكبر من المسنين عدا الأطفال، فإن ذلك يكون مؤذنا بعهد جديد غير متوازن، وتدل الإسقاطات أن مائة شخص في سن النشاط كانوا يعيلون 11 مسنا في سنة 1975، سيمرون إلى 17 مسنا سنة 2014 ثم ويا للتهرم والشيخوخة 32 مسنا سنة 2034 ، والأمر سائر إلى الأمام في ما بعد.
كل هذا يعني إنفاقا صحيا أكبر ، بالنظر إلى أن السن الثالثة أي ما بعد الستين سنة تحتاج إلى تطبيب من نوع خاص ، وهي سن تتكاثر فيها الأمراض وتتراكم ، وتتعقد، هذا من الناحية الكمية ، ولكن أيضا من الناحية النوعية فهي تحتاج أي هذه السن إلى تخصصات أكثر دقة، وبدل تعاظم طب الأطفال وطب النساء للولادات التي ستتقلص بشكل كبير، فإن الضغط سيكون أكبر على طب الشيخوخة الذي سيتفرع وسيكون في اختصاصات أكثر فأكثر عددا.
وعندما يصبح مؤمل الحياة في حدود 80 سنة في أفق 2034 بدل 73 أو 74 سنة حاليا، فإن ذلك يعني أن المرء سيعيش في المعدل 20 سنة بعد سن التقاعد المفترضة حاليا، ولما كانت الدراسات الأجنبية تدل على أن الفئات المرفهة تعيش في المعدل لمدة أطول وتتمتع بمؤمل للحياة أكبر فإن جرايات التقاعد المصروفة أكثر ستكون هي جرايات الطبقات العليا أي الجرايات الأعلى في سلم الجرايات المصروفة للمتقاعدين.
وتونس التي اتبعت مبكرا سياسات لتنظيم النسل ، لم تكن تتوقع هذه النتائج السريعة لهذا الحد، فقبل بضع سنوات كانت البلاد تتوقع وصول عدد الطلبة الجامعيين إلى 500 ألف في أفق 2010 إلا أن نسق النمو الديمغرافي حد من هذا الأمر ولم يصل عدد الطلاب إلا إلى ما بين 300إلى 350 ألفا.
غير أن الأمر ليس بالسلبية التي قد تستشف من هذه المقالات، فلكل شيء نواحيه السلبية ونواحيه الإيجابية، فالإستقرار السكاني وغدا التراجع الديمغرافي ، مكن من اقتسام كعكة النمو على عدد أقل من المواطنين ، ولولاه لما تم بلوغ حجم حوالي 4500 دينار كمعدل للفرد ينتظر أن تتطور بسرعة، والعبرة ليست بالعدد ولكن بالكيفية والنوعية لعدد من الناس ، متاحة لهم إمكانيات تعليم أكبر وأفضل ، وتطبيب أحسن وأشمل، وحياة اقتصادية واجتماعية أكثر إشراقا.
كل هذا إلى أن البلاد اتخذت منحى لا تراجع عنه، أردنا أم أبينا.
*رئيس التحرير الأسبق
(1) الصباح ليوم الخميس 4 فيفري 2010 (صفحة المنتدى)











ليوم الخميس 18/02/2010

هل تونس قادرة على استقطاب
 المتقاعدين الأجانب؟
بقلم عبداللطيف الفراتي
ظواهر جديدة .. أخذت تطرأ على الحياة العصرية في ظل العولمة ، فهناك بلدان ممن توفرت لها كوادر طبية من أعلى مستوى أصبحت مقصدا لمرضى من الدول المتقدمة ، فضلا عن دول نامية، وقد أصبحت تونس مقصدا لأخوة ليبيين وجزائريين يأتون للعلاج، وفي بعض الأحيان من إفريقيا جنوب الصحراء ، وفي أحيان قليلة من أوروبا، كل ذلك نتيجة لسمعة طيبة للطب التونسي، وثقة في أطبائنا ومساعديهم من فنيين سامين أو ممرضين ، ولما أتيح من تجهيزات عالية الدقة ، تحتاج تمويلات طائلة، وأكثر من ذلك كفاءات عالية لتسييرها.إضافة إلى أن جهات التأمينات الإجتماعية تدفع بلا تردد  وعن طيب خاطر ، كلفة العلاج في الخارج خاصة وهي تقل عن نصف الكلفة المماثلة في أوروبا أو حتى أقل.
وبالنسبة للأوروبيين القلائل الذين يأتون غالبا للخضوع لعمليات جراحية، فإن أسعار الإقامة، وكذلك تسعيرات العلاج تبقى متهاودة بالنسبة لما عهدوه في بلدانهم، رغم ما يبدو لنا من غلائها، هذا إضافة إلى ما تقرر من حوافز كثيرة سوف تطلق عملية توريد مربحة لبلادنا في إطار عولمة تبادل لا السلع فقط بل والخدمات أيضا.
على أن الظاهرة الجديدة الأخرى تتمثل في سياحة الإقامة الدائمة، باستقطاب المتقاعدين، وتوفير خدمات متخصصة لهم.
ففي مراكش بالمغرب التي تعتبر اليوم جنة المتقاعدين الفرنسيين، والتي تستقطب متقاعدين من كل الطبقات الإجتماعية ، من يكتفي بمسكن من غرفتين ، ومن يحتاج إلى فيلا بكل المرافق بما فيها المسبح وميدان التنس، يجري كل يوم اجتياح سياحي من نوع جديد.
فالمواطن الفرنسي مثلا  الذي وصل سن التقاعد، والذي مل حياة المدينة الكبيرة الصاخبة يستطيع شراء سكن في حدود 50 أو 60 ألف يورو، وهي قيمة ليست مستعصية، بالنسبة لإطار متوسط وحتى لعامل قضى حياته يكد ويجد، فيستقر أشهر الشتاء الدافئة ، في مدينة مثل مراكش يطيب فيها العيش بعيدا عن الصخب ويجد فيها نوعا من التغريب محبب لذيذ، يبعده عن مألوف حياته  التي عاشها ، وقد اطمأن على أولاده يزورونه فيجدون حيث "يكنون " رأسهم ضيوفا عليه يأتونه سائحين.
يأتيه مرتبه التقاعدي حيثما شاء فيتضاعف اليورو بين يديه ، ينفق منه ويبقى ما يقتصده لأشهر الصيف حيث العودة للبيت في مدينته الأصلية.
هذا الصنف من السياحة الدائمة ، أصبح دارجا في المغرب خاصة في مراكش أو في مصر من الأقصر إلى أسوان ، له أنصاره، وهناك سياسات حكومية ترعاه وتشجعه في بلدان الإستقبال ، وتقوم بشأنه بالدعايات اللازمة ، وتنظم له لا وكالات أسفار وإنما وكالات عقارية في البلاد الموفدة.
وفي تونس وفي مناطقها الجنوبية خاصة الساحلية أو الصحراوية هناك جاذبية خاصة ومحببة، يمكن استغلالها عبر سياسات مضبوطة ، وحوافز مثل تلك التي تم إقرارها للساحة الطبية والصحية، فالواحات من جهة وغابات الزياتين من جهة أخرى ، والمدن الكبيرة نسبيا قادرة على قبول هذه السياحة، وتوفير القاعدة اللازمة لها، فالتراث الثقافي ممتد من جربة والجنوب التونسي إلى مناطق الجريد ونفزاوة، تطاوين مثلا ومطماطة تمثل ثروات جديرة بالزيارة، صفاقس وأسوارها الفريدة من نوعها في العالم العربي بوصفها تعود لمنتصف القرن التاسع الميلادي لها جاذبيتها، وألجم غير المستغلة بتاتا كلها وغيرها تتمتع بمناخ رائع، ودرجات حرارة معتدلة شتاء وحتى صيفا،
يأتي المتقاعد فيقضي 8 إلى 9 أشهر في سكن بحسب رغبته من الغرفتين والثلاث إلى الفيلا المجهزة بكل أدوات الرفاهية ، فينفق ويعيش متمتعا بمرتبه التقاعدي أكثر مما يتسنى له في بلاده التي استشاطت غلاء وصعوبة حياة، يحس بنوع من الغربة المحببة، ويقيم علاقات مع أهل البلد ، أو مع أمثاله ممن هجروا رمضاء نار البلدان "المتقدمة" والتي أصبحت الحياة فيها بكل تعقيداتها جحيما لا يطاق.
هذه السياحة تنعش العقار، في وقت من المفترض أن يصل بعد سنوات قليلة إلى الإشباع بحسب ما توفر للتونسي من واحد من أعلى ما هو متاح من تمليك في العالم، كما تنعش على الدوام سوقا استهلاكية بكل تفاصيلها من الغذاء إلى الأثاث إلى اللباس إلى الأجهزة الإليكترونية ، إلى نفقات الترفيه وغيرها.
هل حان الوقت للإهتمام بها ووضعها موضع النظر وتقرير السياسات السياحية في بلادنا.؟















بعد رحيل مزالي ..
خطة الوزير الأول في عهد بورقيبة
بقلم عبداللطيف الفراتي *
عندما يغيب الموت أحد الوزراء الأولين السابقين   أو أحد رؤساء الحكومات في أي بلد من بلدان العالم، يثير من الذكريات ما يثير، يتذكر الناس حسناته وسيئاته ، إيجابياته وسلبياته. ولكن أيضا صلاحياته ومشمولاته
لقد عرف عهد الرئيس السابق عددا محدودا من رؤساء الحكومات والتسمية في تونس هي الوزراء الأول .
وفي ما قبل الإستقلال  وفي عهد البايات  أي العهد الملكي ( حتى 25 تموز يوليو 1957) كان يطلق على رؤساء الحكومات تسمية الوزير الأكبر، وإذا صح المعنى اللغوي فإن ذلك لا يعني أن الأمر يهم رئيس حكومة بل يهم وزيرا من الوزراء أكبر من الآخرين رتبة .
وبعد الإستقلال تسمى الرئيس بورقيبة عندما شكل حكومته الأولى قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية برئيس الحكومة( بين نيسان أبريل 1956 و تموز يوليو 1957).
ولكن وعلى إثر تغيير النظام وإلغاء الملكية في سنة 1957،  ألغي منصب رئيس الحكومة أو الوزير الأول، على غرار ما هو موجود في النظام الرئاسي الأمريكي ، غير أنه أحدث منصب كاتب دولة للرئاسة للتنسيق بين الوزراء ، وكان أشبه بمنصب وزير أول ينسق عمل الوزراء لا الحكومة، وقد تولى المنصب الباهي الأدغم  أقرب مساعدي الرئيس بورقيبة إليه منذ خلاف الرئيس السابق مع صالح بن يوسف وما جرى من استبعاد الزعيم الوطني الذي كان أمينا عاما للحزب الدستوري قبل اغتياله في صيف 1961.
و بقي  الباهي الأدغم ( المعروف مشرقيا بأنه هو الذي تولى تهريب الراحل ياسر عرفات من الأردن في زي امرأة تونسية بعد أحداث أيلول الأسود) بقي  في منصبه ذاك ككاتب دولة للرئاسة حتى أواخر الستينات ، عندما اشتد المرض بالرئيس السابق بورقيبة واضطر لقضاء فترات طويلة نسبيا ومتكررة للعلاج في الخارج، فعينه وزيرا أول، ومكنه لطبيعة المرحلة من سلطات كبيرة جدا.
ومن ناحية المدلول فالواضح أن عبارة الوزير الأول لا تعني لا من قريب ولا من بعيد صلاحيات ومفهوم عبارة رئيس الحكومة.
ونجد عبارة رئيس الحكومة متداولة في دول سواء ملكية مثل إسبانيا أو هولاندا أو السويد والدانمارك والنرويج وخاصة بريطانيا العظمى، أو في أنظمة جمهورية تسمى بالبرلمانية مثل ألمانيا والنمسا والبرتغال وإيطاليا ، وغيرها حيث تتجمع خيوط السلطة في أيدي رئيس الحكومة بينما يقتصر رئيس الدولة سواء كان ملكا أو رئيس جمهورية على أدوار تشريفاتية.
ولكن في دول أخرى مثل فرنسا فإن وجود وزير أول  بهذه التسمية لا يعطيه صلاحيات كبيرة ، فالقرار وتحديد السياسات، هي من مشمولات رئيس الجمهورية وبالتالي فإن الوزير الأول لا يعدو أن يكون منفذا للسياسات التي يحددها الرئيس.
وقد كان الجنرال ديغول على حد علمنا هو الذي تصور هذا النظام الذي يقف عند نصف الطريق بين النظام  الجمهوري الرئاسي والنظام  الجمهوري البرلماني.
والوزير الأول في هذا النظام الفرنسي  يمكن أن يحاسبه البرلمان بل ويسقطه هو وحكومته عن طريق طرح الثقة، وإن لم يقع ذلك مطلقا على مدى أكثر من 50 سنة مضت على قيام الجمهورية الخامسة الفرنسية.
وبعكس النظام الرئاسي ( الأمريكي مثلا)، حيث الحد الفاصل بين السلطة التنفيذية ممثلة بالرئيس وحده، غير قابل للتجاوز والسلطة التشريعية واضح محدد وغير قابل للخلط ، وإن كان أي تعيين لمنصب من المناصب الكبرى حتى غير الوزارية أصبح منذ 40 سنة خاضعا لمصادقة مجلس الشيوخ، فإن المحاسبة تتم عن طريق التصديق أو لا على الميزانية التي يقترحها الرئيس أو مشاريع القوانين التي تأتي إما من السلطة التنفيذية أو حتى من مجموعات من السلطة التشريعية، بعكـــــــــــس ذلك النظام إذن  فإن النظام البرلماني ( بريطانيا مثلا) يقتضي في كل الأحوال نيل ثقة البرلمان الذي يحاسب حسابا عسيرا رئيس الحكومة وحكومته بصفة جماعية ومتضامنة .
في ظل هذا الوضع فإن النظام الجمهوري التونسي سجل نقلة نوعية من نظام رئاسي مطلق  أراد الرئيس بورقيبة أن ينقله تماما على شاكلة النظام الرئاسي الأمريكي وذلك لحدود سنة 1969، إلى نظام جمهوري مشترك على غرار النظام الفرنسي الذي استنبطه الجنرال ديغول، ليقيم حاجزا بينه هو شخصيا كرئيس دولة وبين سلطة تشريعية كانت مشاكسة في عهد الجمهورية الرابعة، ليجعلها في مواجهة  وزير أول.
وخلال فترة تولي الهادي نويرة وهو رجل حازم إلى أبعد الحدود، أمكن له أن يتدخل بقوة خاصة أمام المرض المتكرر للرئيس بورقيبة وكثرة غياباته في الخارج للتداوي، ومما يذكر أنه نجح في إثناء الرئيس بورقيبة عن الوحدة مع ليبيا في سنة 1974، ودفعه إلى التراجع عن تعهداته بعد أن كان وقع معاهدة وحدة مع العقيد القذافي.
كما نجح في دفعه لاتخاذ قرارات صعبة عن كره منه ، ومنها خاصة إقالة الطاهر بلخوجة من منصبه كوزير للداخلية، أثناء وجوده في الخارج في ديسمبر 1977، وما تبع ذلك من أحداث 26  كانون الثاني يناير 1978 الدموية والتي ألقت بظلالها على البلاد لفترة طويلة.
وبعد ما أصيب الهادي نويرة بالفالج على إثر عملية قفصة  الإرهابية في جانفي 1980 والتي اتهمت السلطات الليبية والجزائرية  بتدبيرها ، اضطر الرئيس بورقيبة لتعويضه بوزير أول جديد، إلا انه وضع مزالي تحت الإختبار بتعيينه أولا لمدة أسابيع منسقا للحكومة ، ثم أسند إليه خطة وزير أول مع صلاحيات وزير أول كما يدل على ذلك مفهوم الكلمة.
وخلال قرابة 4 سنوات كان محمد مزالي مطلق اليد، بثقة عالية من الرئيس بورقيبة الذي اعتبره"بمثابة ابنه" ، ثم وبعد أحداث ثورة الخبز في  كانون الثاني يناير  1984 استعاد الرئيس السابق كل خيوط القرار والنفوذ، وقلص من صلاحيات وزيره الأول وهو ما حاول أن يستمر عليه بعد عزل مزالي في  تموز يوليو 1986 حتى يكاد يكون جرده من اي صلاحيات فعلية،  ومع الوزير الأول الموالي رشيد صفر استمر الحال وانهار الحكم بسبب تدهور الصحة البدنية والعقلية للرئيس السابق،  وللحقيقة  لم تكن صحته لا البدنية ولا العقلية تسمح له بتولي تلك المهام التي تتطلب جهدا ومتابعة كبيرتين ، وهو ما أدى ببورقيبة إلى النهاية المعروفة في 7 تشرين الثاني نوفمبر 1987.
وإذ تم لاحقا ولمدة أسابيع قليلة تولي الرئيس زين العابدين بن علي لمهام الوزير الأول وتمتع بصلاحيات فعلية بعد العجز الكامل للرئيس التونسي بورقيبة  فإن تغيير السابع من نوفمبر 1987 قد أدى إلى تحويرات عميقة في الدستور في صيف 1988 ليس هذا مجال الخوض فيها.
من هنا وبعد وفاة مزالي على إثر حياة سياسية متقلبة عرف فيها ساعات المجد وساعات المنفى والإتهامات، يمكن للمرء أن يطرح تساؤلا عن مدى المسؤولية الفعلية للوزير الأول التونسي في عهد الرئيس بورقيبة الذي تولى رئاسة البلاد مدة 30 عاما بين 1957 و1987.
*كاتب صحفي رئيس التحرير السابق لصحيفة الصباح التونسية
fouratiab@gmail .com











بهدوء
الصباح ..
مغامرات حليفها  النجاح
عبداللطيف الفراتي

في الأول من فيفري سنة 1951 دخل الحبيب شيخ روحه المؤسس لهذا الصرح الإعلامي "الصباح" مغامرة لم تكن في لك الوقت محسوبة العواقب، عندما أصدر هذه الصحيفة قبل 59 سنة ، و كان أحد المترددين على "قهوة تحت السور" أيام العز ، فلقد كان يتمتع بمعارف كثيرين من بين الأدباء ورجال الفن، وقبل الصدور أحاط نفسه بعدد وافر من الكفاءات من بينهم الشاذلي القليبي ومصطفى الفيلالي وفرحات حشاد والباهي الأدغم وأحمد بن صالح ومحمد المصمودي وغيرهم  ممن كتبوا ولم يكتبوا أيامها وممن كانوا يكتفون بالنصائح ، وقد أراد لهذه الصحيفة أيامها أن تكون ناطقا باسم الحركة الوطنية، في وقت تم فيه من قبل السلطات الإستعمارية  منع صدور كل جرائد الحزب الدستوري الذي تصدى للإستعمار، كما أراد لهذه الصحيفة وقد اختار لها في رئاسة التحرير الحبيب الشطي ، بمساعدة الهادي العبيدي  ـ وكان  كل منهما قمة في الكتابة الصحفية ـ أن تكون أول صحيفة خبرية باللغة العربية في ذلك الوقت ، في وقت كانت فيه الصحف الناطقة بالعربية  كلها صحف مقالات إلا ما ندر ، وحتى أخبارها كانت "بايتة" ومنقولة من الصحف الناطقة بالفرنسية والصادرة بتونس ، وكان أول ما عمد إليه الإشتراك في وكالات الأنباء لتكون الصحيفة قريبة من الخبر، ملاصقة له إضافة إلى انتداب شبكة من المراسلين في تونس وفي الخارج كانوا خير مزود للصحيفة بمن فيهم محمد المصمودي في باريس.
نجح الحبيب شيخ روحه في مغامرته، وكان يتمتع بموهبة وحاسة شم استقطاب الكفاءات، ووضعها على سكة العمل الدؤوب القائم على حرفية مؤكدة ، وإخلاص للبلاد، الشرطان الرئيسيان في تقدير قيمة وكفاءة من يحيطون به.
 غدا وفي اليوم  الأول من فيفري 2010 تموضع محمد صخر الماطري في مدار شبيه، وفي وقت تنصرف فيه  المبادرات عن الصحافة المكتوبة ، وتحجم عن الإستثمار فيها، وتلجأ إلى مجالات أكثر مردودية وجدوى مالية، أقدم الرجل بروح شبيهة بتلك التي كانت تسكن الحبيب شيخ روحه في سنة 1951 ، ولم يقدم فقط على امتلاك الصحيفة وشقيقاتها الصغريات التي كان المؤسس قد أصدرها بالجهد والعرق ، بل  إلى إعادة الوهج إليها، عبر إصلاحات ظهرت على صفحاتها بعد، وستتواصل على ما يقولون حوله أولا لمواكبة آخر التطورات المستحدثة مضمونا وشكلا، وثانيا لإثبات حقيقة أن الصحيفة الورقية الجيدة لم يول زمانها، بل هي اليوم عصب الإعلام متقدمة على الراديو والتلفزيون وحتى الصحيفة الإليكترونية.
والصباح التي كانت دوما في مقدمة ركب الصحافة المتطورة في بلادنا، أليست هي التي كانت أدخلت الأولى الطباعة على الأوفسيت ، أليست هي الأولى التي أدخلت الصف الإليكتروني ، أليست هي الأولى التي استعملت أحدث أجهزة التركيب وكل وسائط الطباعة العصرية، ستواصل خلال المغامرة الجديدة اللجوء لكل المستحدثات التي ستجعلها دوما في الطليعة شكلا ومحتوى ، مضمونا وجمال طباعة، كل ذلك في إطار الحفاظ واستعادة ما أريد لها من أن تكون مرجعا ، سواء في الحرفية ، أو دقة الإلتزام بالأخلاق الصحفية ، أو الجدية في التناول ، أو التنوع  في المواضيع  بعيدا عن تملق غرائز أي كان ، بحيث تعود كما كانت جريدة المثقفين وحاملي لواء القلم، ولعل أكبر دليل على ذلك تلك العودة القوية لمقالات الرأي سواء في ملاحقة الأحداث أو عبر صفحة المنتدى، وإذ بلغ الشوط مداه في ما لا يقل عن 9 أو 10 مقالات للرأي في كل عدد ، فذلك دليل على أن هذه الجريدة مع محمد صخر الماطري تنأى بنفسها عن الإسفاف أو الإنحدار، وتسعى لأن تكون في قيادة  مسار الرأي العام في البلاد ، لا اللهاث خلفه ، فتربأ بنفسها عن أن تكون في سعيها ذات وجهة تجارية ، أو تجارية فحسب ، بطموح كبير لأن تكون جريدة النخبة ، عدا الجماهير العريضة، مستقطبة كتابا وقراء، الجامعيين والمفكرين والأدباء والإقتصاديين والمؤرخين ورجال السوسيولوجيا  والقانون وغيرهم من الفئات التي ينبغي لها أن تكون في  مقدمة الركب فتخرج من صمتها حتى لا نقول كلمة أخرى.
ولعل تحريك سواكن المثقفين بكل علمهم ، ومعرفتهم ، وأيضا جرأتهم هي عناصر الرهان المقبل للصباح الجديد، ليسهموا في دفع الفكر في بلادنا ، الفكر الذي يصنع مستقبل الشعوب لأنه هو الذي يستشرف المستقبل، وهو الذي يضع العلامات الدالة على جوانب طريق التطور والإزدهار والتنمية بكل أبعادها.


















ليوم الأحد 28/02/2010

اتحاد المغرب العربي .. حذار من اليأس
بقلم عبداللطيف الفراتي *

مر يوم 17 فيفري 2010 ، كسائر الأيام ، لم تقم فيه احتفالات ولا انعقدت في المستوى السياسي اجتماعات ، ولا تحققت خطوات، وذلك بالرغم من أنه يوم ولا كسائر الأيام، ففيه وكنت شخصيا شاهد عيان على ذلك تم توقيع ميثاق تأسيس اتحاد بين دول خمس تشكل وحدة مغاربية كم كانت أملا عزيزا على قلوب ما يقارب 100 مليون مغاربي، عششت في قلوبهم منذ المرابطين والموحدين قبل 8 قرون طموحات العودة للدولة الواحدة القوية المعززة الأركان، وشهد العصر الحديث عودة الأمل ، بعد أن أصدر محمد باش حانبة من جنيف مجلة "المغرب العربي " سنة 1916، وبعد أن قام في باريس نجم شمال إفريقيا، ثم اتحاد الطلبة المسلمين في فرنسا أيضا، وبعد انعقاد مؤتمر الأحزاب المغاربية في طانجة سنة 1958، وبعد أن نهضت اللجنة الإستشارية الدائمة بمهام كبرى في رسم طريق التكامل الإقتصادي منذ 1964 وإن بقيت تلك الطريق مسدودة، وبعد أن تم التتويج بقيام اتحاد المغرب العربي في 17 فيفري 1989 بمدينة مراكش الحمراء ، منطلق قيام دولة الموحدين الذين وحدوا بلاد شمال إفريقيا منذ القرن الثاني عشر ميلادي.
كنت يومها في المدينة الإمبراطورية الفخمة، وكانت الفرحة عارمة ، والأمل مشرقا ، والأنظار شاخصة للغد المزدهر الرغيد.
كانت الوحدة عاطفة فياضة، ولكنها كانت تبشر بإنجازات قدرتها الجهات العليمة ، بنقطتين اثنتين في ميزان نسبة النمو السنوية، وقدرتها أيضا بمائة ألف موطن شغل إضافي ، باعتبار تأثيرات تكامل اقتصادي اجتماعي واسع على خلفية تعاظم الإستثمارات ، نتيجة اتساع السوق ، ونتيجة ما تعد له من مناخ على كل المستويات ملائم.
مرت السنوات وتعطل قطار الوحدة، وبدل المسير الحثيث، توقف عقد القمم ، مصدر السلطة المشتركة، والقرار الحاسم ، وذلك منذ 14 سنة بالتمام والكمال، على خلفية قضية الصحراء الغربية.
ولا فائدة من تحميل المسؤولية لأي طرف ، فالجميع يعرف مكمن الداء ، ولكن لا بد من الإشارة أن تونس كانت دائما الأكثر حماسا لاستمرار المسيرة ونجاحها، وهي بمفردها لا يمكنها أن تفعل الكثير ، ولكنها دائبة الدفع، رسميا وشعبيا حتى يأتي يوم الخلاص.
غير أن بصيصا من الأمل يدفع عنا في هذا اليوم أسباب اليأس ،
أمل تنضح به اجتماعات وزارية تقوم بما تستطيع أن تقوم به ، وآخرها اجتماع طرابلس لوزراء الخارجية والذي اتخذ حزمة من القرارات منها إعادة إحياء مجلس الشورى ( البرلمان المغاربي) وعقد دورة قريبة له في الجزائر، وخاصة  تأسيس إحدى مؤسسات الميثاق ، أي البنك الإستثماري للتجارة البينية براسمال قدره 500 مليون دولار، وسيكون مقره بتونس وتسند رئاسة مجلس إدارته لشخصية جزائرية مرموقة، وإدارته العامة لشخصية مالية تونسية .
على أن الأهم هو هذه التعبئة الشعبية التي تحيي الأمل ، فقد كان يوم 17 فيفري 2010، موعدا لعقد أعداد من الندوات ، لا فقط إحياء للذكرى وترسيخا لها، بل وخاصة للتدارس حول إمكانيات الخروج من عنق الزجاجة ووضع أسس العودة الرسمية لما تعطل .
ولقد كان من حظي شخصيا أن حضرت إحدى تلك الندوات الجدية الجريئة ، في عقر دار التأسيس أي في المغرب الأقصى، وفي الدار البيضاء بالذات، في إطار ما أقدمت عليه مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني "مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية" ( مدى ) وما جندت له من إمكانيات كبيرة ،لجمع حوالي 20 من الباحثين والجامعيين والسياسيين والصحفيين، وتبادل الرأي حول دور المجتمع المدني في التنمية والديمقراطية على خلفية ما يمكن أن يؤديه المجتمع المدني بمؤسساته المنطلقة من تحرك لفائدة الوحدة المغاربية.
سؤال يمكن أن يطرح بالمناسبة ، هل يمكن أن يكون المجتمع المدني بكل مكوناته ، مدخلا من بين عدة مداخل ، لتنشيط الفكرة المغاربية ، والخروج بها من المأزق.
المراقبون من مختلف المشارب ، يعتقدون أن الإقتصاد والمبادلات البينية يمكن أن تكون مدخلا فعلا ، ولكن على أساس فتح الحدود المغلقة منذ سنوات بين الجزائر والمغرب، وهناك مداخل أخرى متعددة ، وندوة ( مدى) في الدار البيضاء دللت على أن لقاءات بين المغاربيين جميعهم وخاصة وفي إطار متعدد الأطراف، وخاصة جزائري مغربي ، يمكن إن لم تذب قالب الجليد وتسيله، فعلى الأقل تقي من عواقبه.
وفعلا جرى حوار بناء، وتم الإستماع إلى كل الآراء، في هدوء وخلق عال ، وكان قطب ذلك النقاش، ونجم الدورة سيد أحمد غزالي الوزير الأول والوزير والرجل القوي الأسبق في الجزائر وفوق ذلك المفكر الفذ.
وإذ انتهت الندوة إلى اعتبار أن مشروع اتحاد المغرب العربي هو أولوية لكل المغاربيين "فإنها اعتبرته كذلك ضرورة يفرضها التاريخ والمصالح المشتركة، وتؤكدها باستمرار التطورات التي يعرفها العالم" وإذا كانت "الدولة القطرية واقع حقيقي ومشروع وأن لها دورا أساسيا في تدبير التنمية ، فإن هذا الدور لا ينبغي أن يلغي الأدوار التي يمكن أن يضطلع بها المجتمع المدني والنخب المثقفة، ، هذا المجتمع المدني الذي لا ينبغي له أن يكتفي بتعبيرات الأسف أو الأمل، بل يتحمل كامل مسؤوليته في خلق الصيغ البديلة وخلق المبادرات من أجل إبقاء التواصل حيا بين الشعوب والمجتمعات" وفقا لما جاء في البيان الصادر عن الندوة ، التي انتهت إلى مبادرة إيجابية تمثلت في تشكيل "المنتدى المغاربي"، قصد التفاعل مع كل المكونات الحكومية وغير الحكومية من أجل تكريس الأهداف المعلنة.
وإذ يتحرك المجتمع المدني في هذا الإتجاه ، فإنه سيكون عنصرا ضاغطا ، له وسائله ، المؤدية ، والتي ترفض اليأس وتتشبث بالأمل. 
·       رئيس التحرير الأسبق
ليوم الخميس 4 مارس 2010
إصلاح الإصلاح
بقلم عبداللطيف الفراتي *
أقدمت السلطة التنفيذية بتأييد من السلطة التشريعية ، بمناسبة إصدار قانون المالية للعام الجديد 2010 ، على القيام بإصلاح جزئي يهم الطرح من أساس الضريبة بالنسبة للفئات الدنيا، وبات ذلك الطرح يهم الشريحة التي تقل عن 2500 دينار كدخل صاف  بعد أن كانت 1500 دينار وفقا للإصلاح الجبائي الذي كانت السلطة بكل شجاعة قد أقدمت على إنجازه في أواخر الثمانينيات ، في إطار مجموع إصلاحات ذات بال تحققت في ذلك الحين.
وعندما أقدمت الحكومة على إنجاز ذلك الإصلاح راهنت على أن خفض النسب المسلطة، من جهة وتبسيط شرائحها ، سيمكن من زيادة دخل الدولة، على أساس المثل الشائع من أن النسب العالية تؤدي إلى تقليل مجموع الدخل الضريبي (les taux tuent les totaux ) ونجحت في ذلك الرهان، فقد أقدم المواطنون على أداء واجبهم الجبائي بكل أريحية.
واليوم وبعد أكثر من 20 سنة فإن الإصلاح المقرر آنذاك ، لم يعد متلائما مع الواقع المعاش.
فمن ناحية فإن الطرح الذي يهم ألف دينار بين 1500 و2500 الأولى لا يشمل سوى أصحاب الدخل في مستوى الأجر الأدنى ، أي إنه لا ينسحب على باقي الفئات التي يفوق دخلها، مستوى السميغ الذي ارتقى باستمرار بفضل السياسات الحكومية من جهة ، والتحسن المستمر في الإقتصاد وفي مستوى الدخل الفردي الذي تضاعف أو يزيد في 20 سنة.
وفي هذا تفريق في المعاملة ليس مقبولا ولا معقولا.
ومن جهة أخرى فإن القيمة الشرائية للمال قد انخفضت بشكل كبير خلال 20 سنة، ولعل للمرء أن يقارن بين ما كان يستطيع أن يشتري بمائة دينار من سلع وخدمات في 1989 والآن ، وسيجد أن الفارق كبير.
ولقد كان أجر بعشرة آلاف دينار سنويا يعتبر كبيرا في حدود التسعينيات، وهو اليوم القاسم المشترك الأعظم  بين موظفي الدولة ذاتهم في بدايات حياتهم المهنية، مثل أساتذة الثانوي بعد 5 سنوات أقدمية وغيرهم من الموظفين الذين يماثلونهم.
ومن هنا فللمرء أن يتساءل إن لم يكن قد حان الوقت للقيام بمراجعة سلالم وشرائح الأداء لملاءمتها مع وضع جديد ، دخلت عليه تغييرات ، وسيؤدي إن بقي الأمر على حاله ولم يقع إصلاحه إلى السقوط في ما كان عليه الأمر قبل سنة 1990 ، وقبل إصلاحات ما بعد التغيير في 7 نوفمبر 1987 ، وما اتسمت به من جرأة، من الواجب ان تستمر، وذلك رغم ما حصل من تعصير للإدارة الجبائية ، وملاحقة لصيقة بالمتهربين.
وإذ حصل الإصلاح في سنة 1989 على ما أعتقد ، وصاحبه عفو جبائي واسع، فقد حقق المصالحة بين المواطن والجباية، وإذ أمر رئيس الدولة بذلك الإصلاح فقد تولاه وزير المالية آنذاك السيد محمد الغنوشي الوزير الأول ، وقام بشأنه باستشارة واسعة، هو شخصيا ومصالح الوزارة التي تجندت للإصلاح، وتصور تأثيراته على المالية العمومية، واختيار أفضل السيناريوهات التي لا تضر بموازنات الدولة وتخفف العبء على الخاضعين للضريبة وتوسع عدد الخاضعين إليه ( l’assiette).
ومنذ ذلك الحين فقد أدت الإصلاحات الهيكلية ، وتبعات الشراكة مع الإتحاد الأوروبي، وكذلك تفكيك الأداءات الجمركية ، والنزول بها إلى حدودها الدنيا، إلى تناقص مهم في موارد الدولة، بحيث لم يكن ممكنا خلال سنوات ، تحقيق أي تخفيض في مردود الجباية والضريبة الشخصية على المداخيل، حفاظا على توازنات دقيقة للميزانية ، خاصة أمام تضخم نفقات التعليم والصحة والحوافز التي أدت دورها في تنشيط الإقتصاد وتحقيق نسب النمو العالية والمتواصلة.
وإذ مرت البلاد كبقية العالم بفترة صعبة خاصة خلال سنة 2009 ، في ظل أزمة مالية اقتصادية عاتية لم يعرف العالم مثيلا لها منذ الثلاثينيات من القرن الماضي ، وخرجت منها بأقل التكاليف ، محققة نسبة نمو في حدود 3.1 في المائة، في وقت سجلت غالب البلدان في العالم نسب نمو سلبية، فإنه  لم يكن ممكنا التفكير جديا ولا بصورة مسؤولة بما يمكن أن يقلل من مداخيل الدولة.
غير أنه جاء الوقت بعد العاصفة  لملاءمة الضغط الضريبي مع حقيقة القيمة الفعلية للمال والنقد، وفي البلدان المتقدمة تجري مراجعة الشرائح بصفة دورية باعتبار نسب التضخم، وهو الأمر الذي ينبغي أن يكون سائدا عندنا نحن أيضا.
وبعيدا عن أي تفكير ديماغوجي ، وإذ يمكن للمرء المقارنة مع سنة الإصلاح في منطلقه قبل حوالي 20 سنة ، فإنه يمكن تطوير الشرائح، نحو توجه يقوم على أساس:
1)  اعتماد الشريحة العليا للضريبة على الدخل في مستوى ما هو معمول به للغالب الأعظم من الشركات ، أي 30 في المائة محررة من دفع المزيد من الضرائب.
ولقد كان قرار النزول بالضريبة على الشركات من 35 إلى 30 في المائة قرارا موفقا من حيث إنه أعطى حافزا اقتصاديا مهما يبدو وفقا لما يدور أنه أعطى الإستثمار دفعا لا بأس به، وإن كان استثمار القطاع الخاص قد بقي دون المأمول بكثير ، وذلك موضوع آخر.
2)  مراجعة الشرائح وفقا للقيمة الحقيقية للمال بالقياس إلى سنة الإصلاح، والنزول بالشرائح المعتمدة والنزول بعددها من 5 إلى أربعة ، بإلغاء الشريحة العليا الحالية، والإبقاء على الإقتطاع عليها في مستوى 50 ألف دينار ، أي اعتماد نسبة من الأداء في حدود 30 في المائة على 50 ألف دينار كدخل صاف فما فوق.
3)  اعتماد ثلاث شرائح من :
أ‌)      15 في المائة في ما بين مبلغ الطرح المساوي للدخل الأدنى ( ينبغي أن يكون متحركا) و10 آلاف دينار.
ب‌)           20 في المائة  للشريحة في ما بين 10 آلاف و30 ألف دينار.
ت‌)            25 في المائة للشريحة في ما بين 30 و50 الف دينار.
4)  أما الشريحة الرابعة فهي المتجاوزلـ50 ألف دينار ونسبة الخضوع المقترح  إليها 30في المائة ،كما هو الأقصى لغالب الشركات.
غير أننا نسارع للقول إن هذه المقترحات وإن بدت  واقعية ، فإنها طبعا ليست نتيجة دراسة على الواقع، وهي دراسة لا يمكن أن تقوم بها سوى مصالح الجباية، بالتناغم مع واضعي موازنات الدولة والإحتياجات الفعلية للميزانية، حيث إن الرهان الإيجابي مطلوب ، أما المغامرة فلا.
·       رئيس التحرير الأسبق



















الحكومة اليمنية على واجهات ثلاث
بقلم عبداللطيف الفراتي
احتجت جامعة الدول العربية  على لسان أمينها العام عمرو موسى على عدم تشريكها في مؤتمر لندن حول اليمن الذي انعقد منتصف الأسبوع المنقضي.
وبالفعل فإن أحدا لم يفكر حتى مجرد تفكير في دعوة الجامعة العربية، لغياب أي دور لها لا في القضية اليمنية  فحسب ولا في غيرها من القضايا العربية – العربية مثل قضية الصحراء الغربية و قضية الصومال و في قضية جزر القمر أيام كانت مهددة بالتقسيم وتدخلت بشأنها أطراف دولية إضافة للإتحاد الإفريقي، وتمت تسويتها.
ولقد تعهدت الأطراف المجتمعة بلندن بخمسة التزامات تستهدف إعادة الاستقرار إلى اليمن ، الذي لم يعد مهددا داخليا فقط بل بات يهدد استقرار المنطقة ، في محاولة لزعزعتها ، عبر ضرب الاستقرار في المملكة العربية السعودية، إضافة إلى تهديدات علنية مباشرة لدول مجلس التعاون الخليجي عبر لاريجاني ، من عقر دار المجموعة الخليجية من الكويت.
وتعتبر التزامات الدول المشاركة في مؤتمر لندن، مهمة في حد ذاتها ولكن السؤال يبقى قائما، ما هو نصيبها من النجاح، في حال لم تأخذ الحكومة اليمنية، بيدها مسألة حل مشاكلها الداخلية على أساس سياسي بالأساس.
ولا بد للمرء أن يقف أمام أمرين اثنين:
أولهما: طبيعة الالتزامات التي تعرضنا لها.
ثانيا: طبيعة الواجهات الداخلية  التي تقف أمامها الحكومة اليمنية.
**
 فقد التزمت الدول العظمى" بدعم السلطة اليمنية ضد تنظيم القاعدة وتقديم دعم كثيف في الداخل اليمني وعلى السواحل اليمنية واستئصال الجماعات الإرهابية".
ويبدو أن الالتزامات المقدمة تتجاوز النواحي الأمنية واللوجيستية إلى دعم النواحي التنموية ، في محاولة للقضاء على ما اعتبر من الأسباب الرئيسية لانغراس الإرهاب في ظل الفقر وانسداد الآفاق.
ويعتقد المندوبون العشرون المشاركون في المؤتمر، أن القاعدة التي خسرت معركتها في العراق ، وحتى في أفغانستان وتم القضاء على فلولها في السعودية ، قد بقيت تتحرك في شمال باكستان وخاصة في اليمن ، حيث حصلت على مواقع مهمة ، في بلد تشقه القبلية، وتبدو فيه الدولة المركزية غير مسيطرة تماما على كل أرجاء البلاد، ولم تقم فيه الدولة الوطنية بالمفاهيم العصرية للدولة الحديثة، هذا عدا تضاريسه الحادة والتي تجعل من الصعوبة بمكان تحقيق السيطرة الكاملة على كل أنحائه.
وإذ تبدو دول كبرى عديدة قلقة ، من تركز القاعدة في اليمن ، باعتبار الخطر المتهدد لمناطق إستراتيجية وخاصة دول الخليج، ذات الأهمية القصوى، لا فقط باعتبارها منتجة للبترول  والغاز عصب حياة العالم اليوم ، بل وكذلك باعتبار مخزونها النفطي الضخم والغازي ، والمرشح لأن يكون آخر موفر لمنابع النفط في العالم ولمدة طويلة بعد نفاد المصادر الأخرى خلال 30 أو 40 سنة.
والالتزامات الخمسة الصادرة عن مؤتمر لندن بعضها محمول على السلطة اليمنية التي تعهدت بأن تدخل في برنامج إصلاحي شامل بمساعدة صندوق النقد الدولي، سيكون موجعا ولكنه ضروري للشفاء من الأوضاع الحالية السيئة، ومنها معالجة مظاهر الفساد المستشرية.
وسيتجه الأمر لإقرار الحاكمية الرشيدة في البلاد عبر ديمقراطية فعلية وعدالة نزيهة وتأكيد سلطة القانون وإعادة الاعتبار للدولة.
والدول الخليجية المعنية أساسا باستقرار الأمن على أطرافها وفي اليمن بالذات ، الذي تم رفض انتمائه للنادي الخليجي حتى الآن، وحرصا على استقرارها الذاتي ستتولى استضافة الدول المانحة خليجية ودولية بقصد ضبط برنامج مساعدات كبيرة لتحقيق التنمية ، والقضاء على أسباب تردي الأحوال، وهذا الالتزام خليجي ودولي ويشمل المساعدة الأمنية للسيطرة على الوضع في البلاد.
**
 على أن كل ذلك على أهميته وبشرط المرور به إلى التطبيق الفعلي، يمنيا وخليجيا ودوليا، لا يقلل في شيء من طبيعة مواجهات ثلاث، تقف السلطة اليمنية في مواجهتها.
فالقاعدة التي لم تعد تجد مجالا لا في السعودية ولا في العراق ولا حتى على الأرض الأفغانية كما يقول الخبراء المطلعون، ليست العدو الوحيد الذي يواجه، سلطة يمنية ممثلة في حكومة مركزية تبدو وكأنها لا تسيطر على شيء.
وفي بلد جبلي صعب المسالك ، تجد القاعدة مجالات واسعة للتحرك، وتحتاج مقاومتها إلى أسلحة معينة ، وتأهيل خاص ، غير أن العدو في نظر حكومة مركزية لا تعرف إلى أين تستدير، لا يتمثل فقط في القاعدة ، بل وكذلك في الحوثيين، وإذ قيل طويلا أن الحوثيين وهم من الشيعة الزيدية ، الموصوفة بأنها الأقرب للسنة فكرا ، والتي أفتى أحد كبار علمائها بعدم جواز لعن أبوبكر وعمر وعثمان الخلفاء الراشدين المبشرين مع غيرهم بالجنة ، بعكس الشيعة الإثني عشرية السائدة في إيران والعراق ولبنان وغيرها، فإن الرأي السائد أخذ يتجه إلى أنه غير منطقي تحالف الحوثيين الزيديين الشيعة ، مع أنصار القاعدة من السنة الذين لا مجال للالتقاء بينهم وبين الشيعة لاختلافات فكرية عقائدية غير قابلة للتقارب.
ويمثل التحدي الحوثي للسلطة المركزية خطرا داهما، تعتقد صنعاء أنه هو أكبر الأخطار وأعتاها، باعتباره يتهدد وحدة البلاد ويسعى لفصل جزء منها عن البقية إن لم يكن الاستيلاء على السلطة كاملة، وإقامة نظام زيدي شيعي ، فيما إن رئيس الجمهورية علي عبدا لله صالح هو زيدي شيعي هو الآخر.
وتدور حرب شرسة منذ اشهر، بين الحوثيين والسلطة المركزية في صنعاء ، يبدو أن تلك السلطة المركزية لم تستطع أن تحسمها ، فيما تواجه تلك السلطة وفي نفس الوقت توجهات انفصالية في الجنوب اليمني، والذي دخل في وحدة بين عدن وصنعاء، لم يستطع الطرفان هضم تبعاتها، ما حول الحضور الصنعاني في جنوب اليمن ـ على الأقل من وجهة النظر لليمنيين الجنوبيين ـ إلى ما يشبه الاحتلال الاستعماري.
كيف لسلطة مركزية أن تواجه إشكالات بهذا الحجم، حتى بمعونة جيرانها الأغنياء ودول عظمى تبحث أساسا عن مصالحها القريبة والبعيدة المدى؟
إن التعفن الحاصل في اليمن هو وليد سياسات غير عاقلة على مدى سنوات وربما عقود، وتراكم للمشاكل  يصعب اليوم تفكيكه، والمعتقد عموما ، هو أن المعونة مهما كانت كبيرة من الخارج فإن الوضع يتطلب إرادة يمنية ، على القيام بإصلاحات موجعة، ومصالحات داخلية  ليست سهلة مطلقا.















الرئيس الفرنسي باق
رغم الداء والأعداء

ذلك ما يفكر فيه اليمين والحزب الديغولي رغم أسوء استطلاعات الرأي قبل أي انتخابات تشريعية أو إقليمية بالنسبة للإنتخابات المقبلة على مستوى الجهات المقررة ليومي 14 و21 آذار مارس المقبل.
وإذ تم تقسيم التراب الفرنسي القائم على وحدات إدارية هي المقاطعات على 111 مقاطعة وآخرها مايوت المنطقة السليبة من جزر القمر العربية ، فإن عدد الأقاليم وكل منها تجمع عددا من المقاطعات يبلغ 22 إقليما ( ريجيون).
وإذ تتم انتخابات إقليمية كل ست سنوات بعكس الانتخابات الرئاسية والتشريعية ، فإن هذه الانتخابات لا تصادف عادة الانتخابات الوطنية.
وعادة ما يطالب الحزب المعارض وكثيرا ما يفوز في هذه الانتخابات الجهوية ، بعكس حاله في الانتخابات التشريعية والرئاسية الفرنسية، بالأخذ بعين الاعتبار بالتحول الحاصل في الرأي العام والشرعية الجديدة التي حصل عليها والداعية لتنظيم انتخابات عامة.
وهذا حال المعارضة اليسارية اليوم في فرنسا التي فقدت منذ مدة طويلة الحكم رئاسيا وتشريعيا، وهي مرشحة لتحقيق فوز كبير في الانتخابات الإقليمية المتوقعة لحوالي شهر ونصفا، إذ تفيد كل استطلاعات الرأي أنها ستحرز على أغلبية مريحة في 20 من 22 إقليما.
غير أن الجهة المقابلة أي جهة اليمين لا ترى نفس الرأي ، وتعلن أن نتائج الانتخابات الإقليمية ، لا تعطي الحق في الدعوة لإجراء انتخابات عامة في البلاد، طالما أن طبيعة المهام بين البلاد والجهات مختلفة، وأن الشرعية الانتخابية النابعة من انتخابات رئاسية أو تشريعية في البلاد، لا يمكن أن تلغيها أو تقلل من قيمتها انتخابات إقليمية ، ذات بعد محلي ، ولا ترقى لطرح القضايا السياسية الكبرى المطروحة فعلا على القيادة العليا للدولة.
وإذ تبدو شعبية الرئيس الفرنسي في الحضيض بواقع 36 في المائة من الراضين عن أدائه ، فإنه ما زال يتمتع رغم ذلك بتأييد واسع في حالة ترشحه لولاية ثانية، وهو ما ينفك يؤكد ذلك ، معلنا عن أنه في الوقت الحاضر بدون بديل.
ورغم النتائج المتوقعة للانتخابات المقررة للشهر المقبل والتي لا تبدو في صالحه، فإنه واثق تمام الوثوق من أنه سيكون الرئيس المقبل لفرنسا إثر إجراء الانتخابات العامة بعد سنتين من الآن في ربيع 2012.
ويعزو المراقبون هذه الحالة التي تبدو في قمة التناقض إلى وضع اليسار الفرنسي المتشرذم وغير القادر على إفراز  زعيم قادر على تعبئة واستقطاب أغلبية فعلية.
فالحزب الاشتراكي أكبر أحزاب اليسار لم يستطع الخروج من اشتراكيته "المراهقة" ولا خلافاته على الأشخاص فالتناحر بينهم شديد، أما الحزب الشيوعي الذي تدحرج إلى مستوى متدني فما زال عند موقفه من الشيوعية الستالينية التي لم تعد تستهوي أحدا، فيما إن بيزانسنو من أقصى اليسار لم يكن ليمثل شيئا مقنعا.
ومن هنا فإن قوة اليمين الديغولي ليست من ذاته ، ولكن لغياب فادح للخصم والمنافس، بحيث يجد نفسه في طريق مفتوح ، على الصعيد للوطني ، ولكنه عاجز على الصعيد المحلي ، حيث تقوم الزعامات المحلية ، وحيث طبيعة المشاكل المطروحة مختلفة.
ومن هنا أيضا فإن اليمين الذي استطاع أن يصوغ برنامجا يبدو متفوقا على يسار بدا عاجزا تمام العجز عن الاتفاق حول برنامج أي برنامج سواء كان مقنعا أم لا.
ومن هنا أيضا فإن نيكولا ساركوزي الواثق من نفسه  ومن النتيجة التي تنتظره ، عامين قبل انتخابات رئاسية وتشريعية ، يقرر الحفاظ بعكس أسلافه من الرؤساء السابقين ، على رئيس حكومته فيون ، فيما أسلافه عادة ما يغيرون رئيس الحكومة الذي يأتي في بداية الولاية الرئاسية ، وذلك ليقدموه ككبش فداء، ويحملونه مسؤولية الإخفاقات وذلك بحثا عن عذرية جديدة كما يقول الفرنسيون وبحثا عن طريقة لعدم مواجهة انتخابات مقبلة من موقع ضعف.
ولكن هذه المرة سيحافظ الرئيس الفرنسي على وزيره الأول وفقا لتقديرات المراقبين حتى موعد الانتخابات المقبلة بعد أن كان هو الذي قاده لانتصاره في الانتخابات الماضية قبل ثلاث سنوات، وذلك كله رغم توقع هزيمة كبيرة في الانتخابات الإقليمية ،ى وفوز ساحق ليسار ما زال يبحث عن نفسه وطنيا ولكنه يتمتع بزعامات متنفذة على المستوى المحلي.
وبالرغم من أن التداول بين اليمين واليسار أصبح هو الظاهرة السائدة في مختلف البلدان الأوروبية ، فإن فرنسا باتت تمثل استثناء بارزا فهي محكومة برؤساء يمينيين منذ عقد ونصفا ، فيما يبدو اليسار في عجز كامل عن أي منافسة متكافئة على الصعيد الوطني.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق