الأحد، 29 ديسمبر 2013

رسالة الدكتور عبد الجليل التميمي إلى رئيس الجمهورية بشأن الكتاب الأسود

الخميس، 26 ديسمبر، 2013


الكتاب الأسود ،،

رسالة إلى د. المنصف المرزوقي (رئيس الجمهورية) حول :
 الأرشيف السري بالقصر الرئاسي
تونس / الصواب /29/12/2013     
هذه الرسالة وجهها الدكتور عبدالجليل التميمي المؤرخ وإخصائي الأرشيف إلى رئيس الجمهورية منصف المرزوقي، متبرما متذمرا من نشر كتابه الأسود، بعد أن كان وجه إليه النصح بعدم أحقيته في استعمال أرشيف الرئاسة، وباعتبار أهمية  هذه الرسالة نوردها في ما يلي تعميما للفائدةكما نورد المقدمة التي سبقتها:       

على إثر نشر رئاسة الجمهورية ما أطلق عليه الكتاب الأسود, قد تقاطعت وتباينت المواقف حول أحقية وقانونية ما تبناه د. المنصف المرزوقي من توظيف لأرصدة الأرشيفات السرية بالقصر الرئاسي, وقد أخذ هذا الملف هذه الأيام أبعادا جديدة بإحالته على القضاء للبت في صلاحية رئاسة الجمهورية وكذا المشرفين في الديوان على مجمل أرشيفات الرئاسة, للتصرف فيه دون احترام للضوابط المنهجية وقانون الأرشيف العام ببلادنا.
وأود بالمناسبة أن أمد الرأي العام ببلادنا بنص تقرير كنت قد رفعته إلى د. المنصف المرزوقي بتاريخ 13 فيفري 2012, عندما طلب مني القيام بزيارة الأرشيف المتوفر بالقصر الرئاسي ثم ما هي الإجراءات الادارية الواجب اتخاذها وتبنيها للحفاظ عليه.
وإليكم نص هذا التقرير :
"أثناء مأدبة الغداء التي تفضلتم بإقامتها على شرف ثلاثة أساتذة : هشام جعيط وجلول عزونة وشخصي, دار الحديث بعفوية كاملة حول الآليات المستقبلية الجديدة لتفعيل المعرفة والثقافة وتعميمهما, وأثير بصفة أخص ملف أرشيف الرئاسة التابع للرئيسين السابقين وقد طلبتم مني دراسة هذا الملف لتأمين سبل الاستفادة من هذا الرصيد الثمين لكتابة تاريخ الذاكرة الوطنية وبناء الدولة الوطنية منذ الاستقلال وقد شددتم على دراسة امكانية فتحه للمؤرخين والباحثين مستقبلا !
وفي نفس الوقت الذي أنوه فيه شخصيا بهذا التوجه الحضاري، إذ لأول مرة يقوم رئيس جمهورية في البلاد العربية بل وفي العالم، بالإذن بدراسة هذا الملف الدقيق, وفقا للقوانين الأرشيفية المعمول بها محليا ودوليا, وهي القوانين التي حددت الإطار القانوني لفتح الأرشيف سواء كان ذلك الأرشيف تابعا للرئاسة أو للوزارات السيادية أو للخواص ببلادنا.
وتبعا لهذا التمشي قمت شخصيا بالتنسيق مع د. الهادي جلاب، المدير الحالي للأرشيف الوطني التونسي والمؤتمن على الذاكرة الوطنية، صحبة د. محمد ضيف الله، أحد المؤرخين البارزين اليوم في الساحة التونسية، وقد أحطتهما علما بهذا التكليف العلمي، بإجراء مسح أولي لأرشيف الرئاسة. وعلى ضوء ذلك قمنا بزيارتين الأولى تمت يوم الاثنين 16 جانفي 2012 وتلتها زيارة ثانية يوم 23 جانفي 2012, ولم نتمكن بالقيام بزيارة ثالثة, كانت في الأساس مبرمجة ولا نعلم حتى اليوم سبب إلغائها في آخر لحظة ! وكان الهدف في رأينا من هذه الزيارات الثلاث هو استكمال تحرياتنا الأولية وتقديم تقرير لعناية رئيس الجمهورية.
ووفقا للملاحظات التي خرجنا بها في الزيارتين، نوجز لكم هذا التقرير في العناصر المستخلصة التالية :
-       هناك مئات من الألبومات, وهي صور تتعلق بالفترة البورقيبية وبالأحداث الوطنية وتمثل عدة آلاف من الصور التاريخية ويمكن أن تشكل أحد العناصر لتأثيث أي فضاء متحفي مستقبلا.
-       هناك 270 صندوق أفلام من قياس 35 مم وهي عبارة عن تسجيلات صوتية ليس عليها أي كتابة لمحتواها ولا متى تمت في ظرفها الزمني, وهي في حالة تحتاج إلى ترميمها حالا للحفاظ على ما تحتويه من معلومات أولية ومهمة جدا.
-       هناك تقريبا مساحات مترية من الوثائق المؤرخة وغطت الفترة البورقيبية وهي عبارة عن مئات الملفات وتحتوي على آلاف من الوثائق والتقارير الواردة من وزارة الداخلية حول الوضع الأمني والاقتصادي ومنها تقارير مراقبة كل الأطياف السياسية وغيرهم, ملفات أخرى تناولت الجهات وعرايض المواطنين الذين رفعوا شكاياتهم أثناء الفترة البورقيبية.
- كما ضم هذا القسم بانوراما عن المشهد الثقافي المتعدد الوجوه ومراسلات من عديد الشخصيات البارزة يومئذ.
- توجد مكتبة ضمت الكتب والنشريات تتعلق بتاريخ تونس والدول الصديقة
- وهناك أيضا 20 دفترا لتسجيل الصادر والوارد و10 حافظات بها بقايا الفواتير تتعلق بالمصاريف التي تخص فترة الرئيس السابق.
وعليه يستحيل علينا في هذا التقرير المقتضب أن نأتي على كل الخصوصيات الأرشيفية التي يضمها الأرشيف الخاص بالرئيسين السابقين.
 وللعلم فإن بلادنا تعد الوحيدة في العالم العربي من منح قطاع الأرشيف الأهمية البالغة عندما نشر أمر في الرائد الرسمي التونسي تحت رقم 95 لسنة 1988 مؤرخ في 2 أوت 1988, ويعد أحدث قانون لقطاع الأرشيف وأشرف عليه المدير السابق للأرشيف الوطني التونسي د. المنصف الفخفاخ, أحد الخبراء الدوليين في علم الأرشيف، وقد حدد هذا القانون الصلاحيات لحياة الوثيقة وإمكانية فتحها للباحثين والمؤرخين, وهناك ملفات يمكن الاطلاع عليها بعد 30 سنة وأخرى بعد 60 سنة, أما المتعلقة بالشخصيات والعائلات فقد حدد التشريع القانوني التونسي بفترة 100 سنة وأن هذا القانون ينص على أن كل وزارات الدولة التونسية وجب أن تنخرط تماما في هذه المنظومة الوطنية الأرشيفية القانونية, وأن الأرشيفيين المختصين وفقا لهذا القانون, مطالبون بالتدخل لدى كل الوزارات للحفاظ على التراث الأرشيفي,  وقد بدأت معظم الوزارات بإحالة جزء من تراثها إلى الأرشيف الوطني التونسي ومنها وزارة الداخلية لكل ما يتعلق بالحدود والأجانب مثلا، وللذكر فقد أحيلت مئات الملفات من أرشيفات وزارة الخارجية والمالية والعدل وكذا أرشيف التجمع الدستوري الديمقراطي ومؤخرا أرشيف مجلس المستشارين والهيئات العليا وصناديق لجداول الانتخابات الأخيرة, كلها تم الاطمئنان عليها بوضعها في مبنى الأرشيف الوطني وباستطاعة هذه البناية ذات الهندسة الفريدة استقبال أي رصيد أرشيفي مستقبلي. وبالإضافة إلى ذلك فإن القائمين على الأرشيف الوطني لهم الكفاءات المؤهلة للقيام بعمليات التكشيف والترميم والخزن الآلي والفرز الممنهج وتبني أحدث تقنيات الحفظ لأجل دقائق.
ولعلم السيد رئيس الجمهورية أن كل الوزارات السيادية منخرطة في هذا النظام الأرشيفي الوطني، إلا أرشيف رئاسة الجمهورية لأسباب عديدة. وأذهب إلى الاعتقاد أن أرشيف الرئاسة يؤمل أن يودع في الأرشيف الوطني، أولا للحفاظ عليه وترميم ما استوجب الآن ترميمه وإيلاء هذه المهمة للخبراء الأرشيفيين المؤتمنين وفي رأيي المتواضع سيكون القرار الأصوب والأحكم هو إيداعه في الأرشيف الوطني حالا.
حضرة السيد الرئيس،
إن إيداع أرشيف الرئاسة بمبنى الأرشيف الوطني التونسي هو الأسلم، قدوة بالعديد من الوزارات السيادية ببلادنا وأنا أعلم مدى القيمة الاستثنائية للأرشيف, حيث كنت أول مؤرخ عربي يعمل منذ سنة 1966 في الأرشيف الوطني التركي وتحصلت على شهادة الأرشيف الفرنسي منذ سنة 1970 وأرشيف الولايات المتحدة الأمريكية بواشنطن سنة 1972 وأسست سنة 1972 في اجتماعي روما 1971-1972, الفرع الإقليمي العربي للمجلس الدولي للأرشيف, وأثناء إدارتي للمعهد الأعلى للتوثيق كان علم الأرشيف أحد الاهتمامات الأساسية لتفعيل الوعي الأرشيفي لدى الطلبة, وكما أتيحت لي الفرصة أن أعمل في أرشيفات بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وأدركت مدى القيمة العالية للأرشيف .
هذه حضرة د. المنصف المرزوقي حصيلة موجزة عندما عهدت إلينا تقديم أي اقتراح عملي للحفاظ على هذا الأرشيف وإتاحة الفرصة, وفقا للقوانين الأرشيفية المعمولة بها في بلادنا ليتاح ذلك للباحثين والمؤرخين, وأن هذا التقرير هو حصيلة للاستشرافات الموسعة التي أجريتها مع د. الهادي جلاب مدير الأرشيف الوطني ود. محمد ضيف الله.
تفضلوا حضرة السيد الرئيس بقبول أطيب تحياتي وشاكرا ثقتكم الثمينة والسلام.
تونس 26/12/2013                                                                     د. عبد الجليل التميمي



سباق بين أحسن الأنظمة التعليمية في العالم

تعليم

الترتيب الدولي للنجاعة التعليمية
   ( البلدان العشرة الأولى)
Tous les 3 ans, le programme PISA (Programme International pour le Suivi des Acquis des élèves) sort son étude visant à mesurer les performances des systèmes éducatifs des pays du monde entier. Sont mesurés chez les élèves, entre autre : la compréhension de l'écrit, la culture mathématique et la culture scientifique. Si un tel classement a le mérite d'exister, il soulève aussi un tas de critiques... surtout que la France n'est même pas dans le top 10 du rapport 2009 qui vient de sortir. Même qu'on se fait devancer par :
Shanghai (Chine) : 599 pts (hors classement car ville)
1.   Finlande : 543 pts
2.   Singapour : 543 pts
3.   Corée : 541 pts
4.   Japon : 529 pts
5.   Canada : 526 pts
6.   Nouvelle-Zélande : 524 pts
7.   Australie : 518 pts
8.   Pays-Bas : 518 pts
9.   Suisse : 517 pts
10.                    Allemagne : 510 pts
...20. France : 497 pts
...21. États-Unis : 496 pts
Source du rapport et suite du classement : le site de l'OECD


نمط المجتمع : إرادة فاشلة للتغيير

نمط المجتمع

الأوقاف: نحو أخونة الدولة ... والمجتمع
محاضرة ألقتها الدكتورة نائلة السليني
 أستاذة الحضارة في جامعة سوسة*
تنشر بترخيص منها:

مثل تونسي نتداوله ولم ندرك دلالته سوى هذه الأيام، فكم رددنا قولة " الرزق اللي ماتت امّاليه" ، ونعتقد انه يلخّص سياستنا الاقتصادية، سياسة تنبش في قمامة الماضي بحثا عن حلول ترقيعية لا غير. "غزوة الأوقاف" تقارع أفكارنا ، وذلك بتقديم قراءة واحدة اغترّ بها الإخوان  في تونس، وأعلنوها حربا ضارية على كلّ رافض. بل انبرى شيخهم، كعادته، يوزّع صكوك التوبة التي يبدو أنها لن تنضب وليس له من همّ سوى تقسيم تونس إلى دار كفر ( دار حرب) ودار إسلام.
 لماذا التشبث بخيط تهرّأ؟ ولا يعلم إلاّ الله متى سينقطع، هو خيط امتلاك الحقيقة، واعتبار المحاور معارضا جاهلا، شرسا، عدوّ الإسلام ويريد الشرّ للبلاد والناس جميعا، بل هو كافر ومنافق يحقّ عليه حكم المشرك أو المرتد.
وفي هذا السياق نسأل: هلاّ غادر "إخواننا" من متردّم؟
نقاط الخلاف
 حبّذا لو خرجوا للحظة عن طاعة إمامهم ليستمعوا ، من غير غرور أو صلف، إلى حديث آخر يختلف عمّا تلقّنوه، حديث ينبّه إلى نقاط أخرى أهملتها مقالة حزبهم وحاولت وأدها، لكنّ التاريخ لا يموت ويظلّ كامنا في ثنايا الذاكرة الجماعية، نقاط خلافية جمة تجمع بيننا في قضية الأوقاف، وهي تندرج تحت سؤال وجودي ما فتئ يتعاظم في وجداننا: لماذا هذا الحرص على النبش في مقابر الذاكرة بحثا عن نموذج ننصّبه قبلتنا؟ وفي هذا الظرف بالذات، ظرف ينتظر منّا جوابا عن مشكلة الإرهاب والبطالة والإفلاس، لماذا نبحث دوما عن شماعة نتكّئ عليها حتى نحمّلها أخطاءنا ومساوئ حوكمتنا؟
لماذا هذا التعنت في التمسك بتبريرات بانَ عُقمها،واقتنع المجتمع بأنّها أسباب واهية لم يعد لها من دور سوى تفرقة الناس.
 نقاط أساسية تفرض نفسها ونحن نخوض معركة هذه الغزوة، فليس بخفيّ أنّ الأوقاف مؤسسة ذات طابع مؤسساتي، متأخرة في استحداثها، إذ يكفي أن نفتح كتاب الأحكام السلطانية والولايات الدينية للماوردي لندرك أنّ هذه المؤسسة غير موجودة في الولايات السلطانية في القرن السادس للهجرة/ الثاني عشر ميلاديا. وإن ذكرنا هذا الكتاب فلأنّه وثيقة هامّة تعنى بالنظر في الأصول الشرعية لمؤسسات الخلافة.
التعريف الفقهي للأحباس
وليس بخفيّ أيضا أنّ القدامى كانوا يعملون بالصدقات والهبات والوصايا والحبس، ويدرجونها في مشغل المواريث في معناها العامّ. وإن كان لنا أن نعرّف الأحباس فقهيا لقلنا: هي حيلة يلجأ إليها صاحب المال إمّا لأجل الصدقة الجارية "في سبيل الله" والجهاد، كأن يحبس خيلا أو رقيقا؛ أو لغاية بقاء اسمه بعده، وذلك عن طريق إطعام المساكين وأبناء السبيل وإيوائهم؛ و في أحيان كثيرة تمثّل الأحباس سبيلا إلى إخراج البنات الإناث من عقارات يريدها الأب حكرا على أبنائه الذكور من بعده.
وقد يكون العكس كأن يحبس دارا من دوره لبناته المطلّقات. ولا يفوتنا التنبيه أنّ جميع هذه الأحكام تندرج ضمن مشغل الوصية الذي يسعى أصحاب الفرائض قديما وحديثا إلى تهميشه وتجاهله.
وثبت في التاريخ أنّ الحبس لم يتحوّل إلى مؤسسة سلطانية سوى في القرن التاسع عشر مع محمد علي في مصر. ومنذ ذلك الحين تعاظم ليتحوّل إلى أوقاف ويَلتَهِم كلّ ما يمسّه من قريب أو بعيد. وحتى يكتسب شرعية أسقطوا عليه من القرآن الكريم آيات عامّة في معانيها، وقالوا إنّها في الأوقاف.  من ذلك قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون” الحج 22/77. ولا يهمهم ما اعتبرته مصنّفات التفسير من أنّ هذه الآية من قبيل الندب لا غير. (والندب لغة هو الدعوة اللطيفة)
ولسائل أن يسأل: لماذا نعتبر اليوم الأوقاف سبيلا إلى "أخونة" الدولة والمجتمع؟ ولم نقل أسلمة. والجواب واضح إذا ما استندنا إلى المنطلقات التاريخية الأنفة الذكر: فالإسلام ترك للإنسان حرية التصرّف في رزقه وفي كيفية تصريفه إمّا عن طريق الهبة في شكل صدقة أو عن طريق وصية لأنّه يستأمن أشخاصا دون غيرهم على رزقه.
الأحباس ليست المبرات في العالم الغربي
انبرى خبراء الإخوان في وزارة الشؤون الدينية، مهللين ، وكأنهم عثروا على صيد عظيم، مستشهدين بما هو موجود في أمريكا أو بريطانيا من مؤسسات خيرية، واعتبروها شكلا من أشكال الأوقاف ودعامة استثمار في اقتصاد البلاد. وفي هذه النقطة بالذات نقول لهم: كفى مغالطات.. كفى انتقائية.. كفى استهانة بمشاعر الناس.
 اليوم صارت أمريكا وبريطانيا مثالا يحتذى ؟ أليست هذه الدول علمانية؟ والعلمانية كفر؟ لماذا تسمحون لأنفسكم أن تتغافلوا متى تشاؤون عن مفهوم الدولة الحديثة التي تنضوي إليها الدول الغربية، دولة قطعت مع سلطة الكنيسة منذ قرون، وانتظمت إلى مفهوم المواطنة الشاملة في أرقى تجلياتها.
 أنتم تعلمون جيدا أنّ هذه المؤسسات التي تعمل في الغرب لا تنطلق من قاعدة عبادة المال، وإنما تنضوي إلى قوانين صادرة منذ القرن التاسع عشر تنظّم سبل العمل وشفافية المصادر المالية التي تغذّيها. كما تعلمون أنّ فلسفة هذه المؤسسات التشجيع على البحث العلمي، والإعانات الخيرية نتيجة كوارث طبيعية قد يعيشها المجتمع الدولي. وعلى هذا الأساس، فهي مؤسسات مقننة وخاضعة لرقابة مالية من طرف الدولة. فلا علاقة إذن بين الأوقاف في دلالتها الشرعية ، وكما هي مفروضة في كثير من البلدان الإسلامية، ونظام المؤسسات المسهم في نموّ المجتمع والفكر.
لماذا دعوناها سياسة أخونة وليس سياسة أسلمة
لهذا قلنا إنها سياسة أخونة، فمشروع الإخوان الأصلي يقوم على دولة الخلافة، والأوقاف بدعة أنشأها العرب في عصر الانحطاط، حتى يضع السلطان يديه على جميع مكوّنات السيادة سياسية كانت أو دينية أو اجتماعية. وبفضلها يمكن المحافظة على هذه البنية الهرمية التي تميّز المجتمعات الإسلامية عن غيرها من المجتمعات، ورأس الهرم وليّ الأمر الذي يعتبر كلّ مخالف له من أهل الزيغ والكفر، كيف لا وقد تسربل بسربال الله.
الأوقاف واحدة تنطلق من فكر واحد
نكاد نقول إنّ نظام الأوقاف واحد في جميع الدول التي تعتمده. وعلى هذا الأساس فلا يمكن بأيّ حال أن يتصوّر الإخوان في تونس نظاما في الأوقاف يغاير ما هو معمول به. ولهذا السبب استأنسنا بالهيكلة الإدارية لوزارات الأوقاف بالدول العربية ، وهي تتكوّن من الإدارات التالية : الزكاة والسؤال هل سيفسّرون الأداءات على أنّها زكاة؟ أم سيسنون قانون الزكاة المفروضة؟ إدارة الحج والعمرة وتكوين الوعاظ والأئمة والدعاة، ولا تضاربَ بين هذه الإدارات ووزارة الشؤون الدينية بما أنّ هذه الأخيرة ستتمتع بإضافة 25 مليار في ميزانية سنة 2014؛ وما في ذلك إلاّ دعم مفضوح للمشروع الإخواني. أمّا إدارة السياحة والآثار الإسلامية وإدارة الصحة والمستشفيات وإدراة التعمير وإدارة القروض البنكية فهي مؤسسات ستضرب كيان الدولة في الصميم؛ وكذلك الأمر بالنسبة إلى إدارة التغطية الاجتماعية. في حين أنّ إدراة الفتاوى فهي طريق لمأسسة الفتاوى التي ستصير قادرة على مراجعة جميع المكتسبات في تعارضها مع المقاربة الفقهية...
بقي الحديث عن إدارة التعليم فحدّث ولا حرج، إذ من مشاغلها بناء المعاهد والكليات والسهر على نظافتها، وتعيين من يدرّس بها والمصادقة على برامجها التعليمية، وضمان المنح المسندة إلى الطلبة. وهنا ننبّه إلى خطر التداخل بين هذه الإدارة المتعاظمة وبين وزارة التربية القومية ووزارة التعليم العالي، والإنعكاسات التي ستنتج عن هذا القرار من ذلك سحب البساط عن التعليم المدني. ولا يفوتنا في هذا السياق التنبيه إلى أنّ جامعة صفاقس أعلنت عن إحداث ماجستير في المالية الإسلامية، ولن يبدأ التدريس إلاّ في السنة القادمة، كم لا يفوتنا التذكير بما قام به إمام جامع الزيتونة عندما أعلن عن جامعة للزيتونة اقتداءا بالأزهر. و نذكّر أيضا ما تواتر من أنباء من أنّ معلوم التسجيل بالنسبة إلى الطلبة في ماجستير المالية الإسلامية قد حدّد ب 15 ألف دينارا. وجميع هذه الإشارات تؤكّد أنّها بمثابة "الحصيرة اللي تسبق الجامع"، وأن الأوقاف قد هيئت لها أرضية قانونية من قبل وزارتي التربية والتعليم العالي،ولن يقدر على دفع هذا المعلوم إلاّ من تبنته الأوقاف واحتضنته.
الجراب هل تم إفراغه؟
سؤال نوجّهه إلى الإخوان بتونس: ماذا بقي في جرابكم؟ حتى تشغلوننا به في القادم من الأيام؟ هل يحتوي جرابكم على ديوان المظالم؟ وعلى ديوان العطاء سيما أنّكم بدأتم في تطبيقه على أتباعكم (المال السياسي) ولم لا بيت مال المسلمين التي ستهيّء المناخ المناسب للخليفة القادم. وما رأيكم في المطالبة بنظام الحسبة؟ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد طالب به بعض رؤوس جمعيات خيرية بالبلاد، والجميع يعلم أنّها تسبح في فضائكم. ما رأيكم أيضا في تنصيب محاكم شرعية فنستغني عن وزارة العدل؟ الخ...
استنادا إلى جميع ما بيّناه يمكن أن نقول:
إن في بعث الأوقاف من قبرها حيلة حتى يُرجِع الإخوان الشريعة من الشباك بعد أن خرجت من الباب، ولو تمّ إقرارها فستصير أمّ المؤسسات، بيدها الحلّ والعقد في جميع شؤوننا الاقتصادية والسياسية والقضائية وخاصة الاجتماعية، وعلى يدها سينجح المشروع الإخواني الذي يتوارثه مريدوه جيلا عن جيل. إنّها المؤسسة التنين لأنّها لن ترتوي ولن تشبع حتى تلتهمنا جميعا وتعتصرنا ثم تعيد عجنها من طين إخواني طيّع.

**نائلة السليني باحثة سبق لها أن حاورت الدكتور الشيخ راشد الغنوشي على شاشة التلفزيون

السبت، 28 ديسمبر 2013

خالدون : مصطفى المصمودي رجل فعل الكثير لهذا الوطن


شخصيات رحلت 

أربعينية الدكتور مصطفى المصمودي
بقلم عبدالسلام القلال – المحامي
كلمة ألقيت في حفل أربعينية الفقيد يوم 29 نوفمبر في مدينة العلوم

          نجتمع اليوم في خشوع حول روح الفقيد صديق الجميع المرحوم الدكتور مصطفى المصمودي في أربعينية وفاته وقد وفاه الأجل المحتوم يوم 26 سبتمبر 2013،يومها فقدنا أخا عزيزا، عاشرناه أكثر من نصف قرن وقد عرف بالاستقامة ودماثة الأخلاق في معاملاته ،والتواضع والتفاني في العمل والانقطاع له، من أجل الوطن والصالح العام.
          كان رحمه الله منذ شبابه مناضلا دستوريا وفيا صادقا متشبعا بالفكر البورقيبي وقد تحمّل العديد من المسؤوليات السياسية الجهوية والوطنية والدولية والمجتمعية وترك في رصيده ما يزيد على عشرة مؤلفات إلى جانب العديد من المقالات والمراسلات والمساهمات في المنابر الجامعية والدولية تناولت بعمق وإسهاب ثورة الإعلام والاتصال التّي انطلقت في النصف الثاني من القرن العشرين وكان له فيها دورالريادة والاستشراف.
        وهو ممّن ساهم في تحديد المصطلحات والمفاهيم للمنظومة الجديدة للإعلام والاتصال ، من ذلك مفهوم الاقتصاد الإعلامي،والاقتصاد المعرفي ، ومجتمع المعلومات، والعالم الافتراضي ،والثورة الرقمية ، والطريق السريعة للمعلومات ، والشبكة العالمية لخدمات الكمبيوتر( الأنترنات) والإستشعار عن بعد،والقائمة تطول لمثل هذه المفاهيم والمصطلحات الجديدة التّي أصبحت لغة العصر وقد كانت للمرحوم في تحديد مضامينها مساهمات فاعلة.

          ولسائل أن يسأل هل هو من باب الصدفة أن ينطلق الشاب مصطفى المصمودي في عالم الإعلام والاتصال؟ لا أظن.
فالمرحوم كان منذ شبابه ميالا للمطالعة والكتابة وله استعداد فطري لهذا النوع من النشاط فقد كان منذ الصغر يتنافس مع قريبه وصديق الدراسة الصحافي والإعلامي المتميّز السيد عبد اللطيف الفراتي على كتابة المقالات في المجلات والصحف الشبابية .
          وقد كان عمله لمدة زمنية إلى جانب رجل الفكر والإعلام السيد الشاذلي القليبي جعله يستقي مهنة الإعلام من معينها ويستجلي أبعادها ويباشر تطبيقاتها..
          يقول المرحوم مصطفى المصمودي " إنّ نداء ثوريا من الرئيس بورقيبة خلال ندوة قمة في الجزائر سنة 1973 هو بمثابة إشارة الانطلاق للدخول في معركة التحرير الإعلامي والثقافي بعد التخّلص سياسيا من براثن الاستعمار " وقد تأكّد لديه منذ ذلك العهد أن الثورة القادمة هي ثورة الإعلام والاتصال والمعرفة فاختار أن يكون من روادها الأوائل،وعلى هذا الأساس انطلقت مسيرة العمر في هذا الاختصاص .
مصطفى المصمودي كاتب دولة للإعلام :
          في يوم من أيام سنة 1974 في طريق رجوعه من أحد المؤتمرات حول الإعلام الملتئم في إحدى الدول الافريقية التقى الفقيد صدفة مع المرحوم السيد الهادي نويرة الوزير الأول أنذاك على متن الطائرة المتوجهة من باريس إلى تونس فاغتنم الفرصة ليطلب منه التدخل لدى وزارة الداخلية لتمنحه ترخيصا لنشر كتابه المودع لديها منذ مدة طويلة والذّي يحمل عنوان" الاقتصاد الإعلامي في تونس " فما كان من الوزير الأول إلا أن طلب منه توجيه نسخة من كتابه إلى الوزارة الأولى مشفوعة بملخص لمحتواه وكان الوزير الأول أنذاك بصدد درس أوضاع القطاع الإعلامي قصد إدخال بعض الاصلاحات عليه فكان له ذلك ولمّا ورد هذا الكتاب بين يدي المرحوم السيد الهادي نويرة واطلع على محتوى التلخيص الذّي ختمه المرحوم مصطفى بهذه الجملة المعبرة والاستشرافية " إنّ إقتصاد الإعلام لا يمثل نسبة تذكر لا في تونس ولا في أروبا إلا أنه مقبل في العالم أجمع على تطور مذهل " ، وفعلا بدأت بعض الدول الأوروبية والآسوية ثورتها الرقمية والإعلامية في آخرالسبعينات وبداية الثمانينات للقرن العشرين وتطّورت في ثلاث عقود تطورا مذهلا على جميع الأصعدة .  
          بعد أسابيع من هذا الحدث دعي المرحوم مصطفى المصمودي إلى الاضطلاع بمهمة كاتب دولة للإعلام لدى الوزير الأول ومن هنا انطلقت مسيرته المضنية والمنعشة في الآن نفسه في الداخل والخارج من أجل الإسهام في إرساء نظام إعلامي جديد .
          
         ويقول الأخ حامد الزغل  في شهادته حول الرجل في مجلة ليدرز الإليكترونية : إنّ المرحوم حاول ادخال تقنية سبر الآراء في منظومة الإعلام حتّى يتابع تغيرات الرأي العام إزاء سياسة الدولة قصد الانارة والتوجيه وتلافي الأخطاء فوجد مع الأسف معارضة شرسة جعلته يعدل عن المشروع ،ويستنتج من هذه المحاولة أنّها لو قدر لها أن تنجز ربّما كانت تجّنب تونس الكثير من الإخفاقات والانحرافات التّي أدت بها لما هي عليه الآن.
          كان المرحوم مصطفى المصمودي من دعاة الانخراط في ثورة الإعلام والاتصال والتكنولوجيا التّي بدأت تجتاح العالم بداية من سبعينات القرن الماضي ،وقد سخّر كل طاقته في مختلف المسؤوليات التّي تحملها في المستوى الوطني والعالمي وكذلك في مستوى المجتمع المدني لمواكبة هذه الثورة والمساهمة في تصوّر مفاهيمها و تحديد مصطلحاتها وتبسيطها من خلال مؤلفاته إيمانا منه بضرورة بث الوعي في المجتمع التونسي للانخراط فيها والتفاعل معها،وكان بالامكان أن تكون تونس في مقدمة البلدان المستفيدة بما توفره هذه الثورة من أسباب التقدم ووسائله في جميع المجالات.
          ومن المؤسف جدا أن ضيّعت تونس في بداية السبعينات فرصة الانخراط الفاعل في الثورة الرقمية التّي فتحت آفاقا عريضة أمام الدول التّي أخذت بأسبابها وجعلت منها قوة اقتصادية ضاربة قادرة على منافسة أكبر اقتصاديات العالم وكان من اليسير أن تكون تونس ضمن هذه البلدان لو توفرت لها الحوكمة الرشيدة والنظرة الاستشرافية ، وهناك اليوم العديد من البلدان الآسوية التّي كان لها سبق الانخراط في هذه الثورة فأصبح اقتصادها يعتمد بنسبة كبيرة على اقتصاد الاتصال والمعرفة تصل إلى60 و 80 % من منتوجها القومي الداخلي.
مصطفى المصمودي في اليونسكو وفي لجنة" صون ماك برايد ":
           من أهم الأدوار التّي اضطلع بها المرحوم على المستوى الدولي مساهمته الفاعلة لمّا كان سفيرا مندوبا لتونس بالمنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو ) سنتي : 1977 –    1978 ، وفي هذا الاطار انتخب عضوا باللّجنة الدولية التّي عهد إليها إعداد تقرير حول النظام الإعلامي الجديد وقد عرفت هذه اللّجنة باسم رئيسها "ماك برايد".
         وقد ضمّت هذه اللجنة ستّة عشر خبيرا في الإعلام والاتصال منهم المرحوم مصطفى المصمودي بوصفه ممثلا عن مجموع دول عدم الانحياز وأصدرت اللجنة تقريرها المشهور حول اختلال التوازن والحيف الّذّي كان يتّسم به المجال الاعلامي بين دول العالم ودعت اللجنة من خلال هذا التقرير إلى ضرورة إرساء نظام إعلامي جديد من أجل القضاء على اختلال التوازن وأوجه التفاوت في العلاقات الإعلامية الدولية فكان لهذا التقرير صدى ووقع كبيران هزّ أركان العالم الغربي المهيمن على وسائل الإعلام .
          وكان دور المرحوم في هذه اللجنة فاعلا ونافذا إلى درجة أنّ مواقفه الداعية إلى إرساء نطام إعلامي جديد أزعجت بعض الأطراف الخارجية المهيمنة ممّا اضطر الحكومة التونسية إلى إنهاء مهامه في اليونسكو تحت تأثيرات خارجية وإرجاعه إلى تونس على وجه السرعة وبصورة غير منتظرة .
          وباختصار شديد قام المرحوم مصطفى المصمودي لدى المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة " اليونيسكو  " بدور ريادي على رأس مجموعة دول عدم الانحياز وليس أبلغ من ذلك شهادة صديقه " ماك برايد " نفسه عند تقديمه لكتابه النظام الإعلامي الجديد الّذي أصدره المرحوم سنة 1985 ، يقول " ماك برايد " : " لقد كان الدكتور مصطفى المصمودي بفضل نضاله وعزيمته السياسية الناطق الرئيسي باسم البلدان النّامية ويعبر عن مشاغلها ، ورغم تحاشيه التظاهر بذلك ،بقي في مقام المدافع عن حقوقها الشرعية في مجالات الإعلام والاتصال ويضيف " ماك برايد " : الدكتور مصطفى المصمودي يقحمنا من خلال هذا الكتاب في مشاغل القرن الواحد والعشرين محذرا الدول المصنعة من عواقب تحويل مظالم الأمس إلى حقوق مغتصبة بالغد " .   
         إثر صدور تقرير " ماك برايد "  ترأس المرحوم مصطفى المصمودي اللّجنة العربية التّي تأسست بسعي من الأستاذ الشاذلي القليبي الأمين العام لجامعة الدول العربية سابقا لبحث قضايا الإعلام والاتصال في 16 جويلية 1982 لإعداد تقرير حول الانتاج المعرفي والإعلامي في العالـم العربي وأعـدّ هذا التقريـر تحـت عنوان" الإعلام العربي حاضرا ومستقبلا " من طرف هذه اللجنة وساهم المرحوم مساهمة فعالة في إعداده وصياغته.
المرحوم في القمة العالمية لمجتمع المعلومات :
         بعد إنهاء مهمته في اليونسكو واصل المرحوم نشاطه في الإعلام والاتصال في نطاق المجتمع المدني على رأس الجمعية التّونسية للإعلام والاتصال التّي أسسّها لهذا الغرض و لعب من خلالها دورا ريّاديا في إعداد القّمة العالمية لمجتمع المعلومات المنعقد سنتي2003 و 2005 وأقام بسويسرا مدّة طويلة اشتغل فيها داخل اللّجان المكلّفة بإعداد مضامين المؤتمر ولاقى المضايقات والتهجم من طرف الممثلين الرسميين التونسيين ، ورغم العقبات نجح المرحوم في تقديم الإضافة باسم تونس والدول النّامية.
المصمودي عضو الأكاديمية الدولية لشؤون الفضاء :
          كان المرحوم منذ شبابه مولعا بعلم الفلك والفضاء وقد تابع كل ما يحدث في هذا المجال ووّجه اهتمامه بالخصوص إلى الأنشطة الفضائية المتّصلة بالإعلام والقانون الدولي ومن هذا المنطلق أسّس سنة 1992 الجمعية التونسية للاتصال ونشط في هذا الميدان سنينا طويلة على الصعيد الدولي إلى أن أصبح عضوا دائما بالاكاديمية الدولية لشؤون الفضاء وفي سنة 2008 انتخب عضوا بمجلس الأمناء كنائب عن المجموعة العربية وتّم انتخابه في سنة 2011 منسقا للمجموعة الافريقية في الفدرالية الدولية للفضاء التّي عقدت مؤتمرها الأخير بـ " كاب تاون " بإفريقية الجنوبية  في سبتمبر 2011 .
          كما قام بعدة محاولات للجمع بين النّظرية والتّطبيق في علم الفضاء بالتعاون مع معهد المهندسين بصفاقس ،حيث شجّع مجموعة من الطلبة الباحثين للقيام بتطبيقات في تكنولوجيا الفضاء بمساعدة الأكاديمية الدولية وكان في الإمكان صنع قمرا صناعيا لكن مع الأسف لم تتوفر له الإمكانيات ، والمجهود الذّي بذله لدى مؤسسات الدولة والخوّاص لايجاد التمويلات اللازمة لتحقيق هذا الحلم لم تفض.
        لقد ساهم المرحوم من خلال كتاباته في سبر أغوار الفضاء اللامتناهي وما انفك يدعو من خلال مؤلفاته إلى الاهتمام بالاكتشافات المذهلة التّي حقّقها علم الفضاء في الخمسينية الأخيرة من القرن الماضي وبداية القرن الواحد والعشرين ولا أدّل على أهمية الدّور الذّي اضطلع به في هذا الميدان من شهادة المرحوم محمد عز الدين الميلي الأمين العام الشرفي للاتحاد الدولي للاتصالات في تقديمه لكتابه " المظلّة الفضائية ".
   مواقفـه مـن بعض القضايا :
          ومن ميزة المرحوم أنّه كان لا يقف موقف المتفرج إزاء مختلف القضايا المطروحة سواء كانت دولية أو وطنية من ذلك دعوته بمناسبة انعقاد رابطة العالم الاسلامي في 15 أفريل 2006  بمكة المكرمة الدول الاسلامية إلى استغلال الآليات التّي توفرها الثورة الرقمية من تقنيات الكتابة الاعلامية للتصدي للحملات المغرضة ضد الإسلام والمسلمين في العالم وتقديم الصورة السمحة لهذا الدّين وتغيير عقليات رجال السياسة و رجال الدين المناوئين للإسلام.
          كان رحمه اللّه من دعاة تعصير نظام التعليم في تونس وتطوير برامجه ومنهجيّته واستعمال تقنيات التكنولوجيا الحديثة في مختلف المعاهد ، وفي هذا الإطار كان المرحوم أول من فكر وعمل على تأسيس معهد وطني للتعليم عن بعد في بداية التسعينات للقرن العشرين بمساعدات تقنية كندية وتمويلات خليجية وقد أعدّ كلّ مكونات هذا المشروع لكن مع الأسف لم يلق التشجيع من لدن الدوائر المسؤولة ولم يتحصل على الترخيص.
        والاشارة لهاتين القضيتين كان من باب الذكر لا الحصر لأنّ الوقت لا يسمح بالمزيد وممّا لا يعلمه الجميع أنّه لو شاءت الأقدار لكان المرحوم مصطفى المصمودي اليوم مديرا عاما لليونسكو.
          وقبل أن أختم لابد أن أقرأ على مسامعكم بعجالة فقرات ممّا كتبه المرحوم بشيء من الحسرة والألم لما فات وطنه من فرص الانطلاق نحو مستقبل أفضل بالدخول بقوة وعزيمة في إقتصاد المعرفة وقد ورد هذا في آخر كتاب له " بصمات تونسية في الثورة الإعلامية العالمية " فهذا الكتاب هوعبارة عن خلاصة لنضاله وإنتاجه ومساهماته داخل تونس وخارجها بالمؤسسات الجامعية والدولية في مختلف القارات." وإني لحريص في الختام على أن أهدي هذا الكتاب للأجيال الجديدة التّي لا أراها إلا فخورة معتزّة بما كان لتونس من بصمات واضحة وملموسة ومساهمات فاعلة ورائدة في التحولات التّي شهدها العالم على صعيد الإعلام والاتصال بفضل جهود نخبتها المتميّزة وكفاءتها العالية ".
كما يواصل " يكفيني شرفا أن أصبح عنوان الكتاب الذّي ألّفته قبل 40 سنة عنوان لتقرير سنوي تصدره منظمة الأمم المتحدة ومنطلقا لثورة إعلامية شاملة " .
وعن وسائل العمل والتقنيات الحديثة التي لم نحسن توظيفها في بناء اقتصاد المعرفة وتحقيق التنمية الشاملة يقول المرحوم :
" وما ثورة 14 جانفي 2011 إلا ثورة الشباب الراغب في الخروج من المجتمع الزراعي للانصهار في مجتمع المعلومات والمعرفة فكانت وسائل الاتصال الحديثة وسيلته الناجعة في انجاز هذا الحدث التاريخي الفريد " .
        هكذا كان للمرحوم شرف المساهمة في معركة التحرير من أجل الاستقلال وشرف المساهمة في بناء الدولة الوطنية الحديثة وشرف العمل من أجل اشعاع تونس في المحافل الدوليّة وواصل نشاطه السياسي إلى آخر يوم في حياته من أجل بناء تونس الديمقراطية وبالرغم من تقدّمه في السنّ وبوادر الارهاق ووطأة المرض وتداعياته انخرط بعد الثورة المباركة في العمل السياسي من أجل المساهمة في إرساء توّجهات من شأنها الحفاظ على مشروعنا المجتمعي ودعم مسارنا العسير نحو الانتقال إلى نظام سياسي مدني يعتمد على أسس الحريّة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية حتّى تبقى تونس حرّة منيعة أبدا الدهر ومحافظة على هوتها العربية الإسلامية المنفتحة على الآخر.
      تغمّده الله بواسع رحمته ورزق عائلته وأصدقاءه وكل من عمل إلى جانبه جميل الصبر والسلوان.
      وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون - وإنّ لله وإنّ إليه راجعون *** صــدق اللّه العظيــم ***
الأستاذ عبد السلام القلال

المحامي لدى التعقيب

الخميس، 26 ديسمبر 2013

من أعماق الحضارة التونسية



من أعماق الحضارة التونسية

تقديم : عبد اللطيف الفراتي
تضرب الحضارة التونسية عميقا في التاريخ، وإذا كان المؤرخون يعتبرون أن الدولة في تونس لا يقل عمرها عن ثلاثة آلاف سنة ، فإن الحضارات التي عرفتها بلادنا أقدم من ذلك، والتقويم البربري أو الأمازيغي يدلنا على أنه يتجاوز 2900 سنة، ولتونس التي سماها العرب قبل 15 قرنا إفريقيا جذور ضاربة في التاريخ عانقت حضارات عديدة، وعرفت أديانا وثنية ويهودية ومسيحية قبل أن تستقر عربية إسلامية بعد فتح القيروان ، وتغلغل اللغة العربية والدين الإسلامي.
وللتونسيين أن يعتزوا اليوم بماضيهم وحضاراتهم والأقوام التي عمرت هذه البلاد، وكذلك الشخصيات المدنية والدينية التي صنعت أمجادها، دون التنكر لإسلامهم وعروبتهم المستعربة.
ولقد ترك لنا أجدادنا من البربر الأمازيغ تقويما ما زال معمولا به استوحيناه من أحدى الصفحات في الفايس بوك ويمكن أن نتابع به حركة التوقيت الشتائي والصيفي وارتباطهما بحياتنا. وفي ما يلي بعض مظاهر هذا التقويم ، ومدى عبقرية الذين وضعوه قبل أكثر من 2900 سنة، عندما كانت أقوام أخرى تقبع في الجهالة.