الثلاثاء، 18 فبراير 2014

قرأت لكم : محمد كريشان يكتب عن الإرهاب في تونس

قرأت لكم

تونس والارهاب
محمد كريشان
*من القدس العربي
FEBRUARY 18, 2014


عادت بعض أجواء الكآبة لتخيم على تونس بعد العملية الإرهابية التي حدثت الأحد الماضي في مدينة جندوبة شمال غرب البلاد وأودت بحياة ثلاثة أعوان أمن ومدني. ما حدث أعتبر نوعيا من حيث جرأته لأن المجموعة المهاجمة تنكرت في زي القوات النظامية فذكّرت الكل بما جرى في الجزائر طوال عشرية كاملة تنكر فيها كثيرون في أزياء الجيش والحرس والشرطة حتى لم يعد يعرف المرء ما إذا كان هذا الحاجز أو ذاك حقيقيا أم مزيفا.
منذ أن دخلت تونس في عمليات من هذا القبيل اتهمت فيها تيارات سلفية متطرفة سواء في حادثة مقتل المعارض اليساري شكري بلعيد في شباط/ فبراير 2013 أو النائب المعارض محمد براهمي في تموز/ يوليو الماضي، أو في المواجهات التي شهدها جبل الشعانبي بمدينة القصرين في الوسط الغربي كانت الاتهامات توجه عادة إلى الحكومة التي ترأسها حركة ‘النهضة’ الإسلامية وما يوصف بتقصيرها أو عدم كفاءتها أو حتى تواطئها. هذه المرة، غاب هذا السيناريو المتكرر وحل محله في الغالب تحميل وزير الداخلية لطفي بن جدو الجزء الأكبر من المسؤولية وهو الوزير الوحيد من حكومة علي العريض الذي جُـدّد له في منصبه في حكومة مهدي جمعة المستقلة.
وفي كل مرة تعرف فيها تونس عمليات من هذا القبيل تخلّف وراءها أيتاما وعائلات مكلومة، معظمها من الفئات الشعبية المسحوقة أو من المناطق المهمشة والمظلومة، يتبارى الجميع في الخوض فيما جرى ودلالاته وخلفايته وتداعياته، منهم من يدرك خطورة ما يتفوه به في مجال بهذه الحساسية وفي جو اجتماعي مشدود، ومنه ما انخرط فيه بكثير من الخفة وانعدام المسؤولية. الأوضاع المتوترة التي تخلفها بداهة الأعمال الإرهابية تزداد سوءا بكثرة الشائعات وانغماس بعض وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في تبادل أخبار وتحليلات غير متأكد من صدقيتها أو من نزاهة مروّجيها مما يفاقم بطبيعة الحال أجواء الحيرة لدى كثير من التونسيين الذين بالكاد تنفسوا الصعداء بعد إقرار الدستور ورحيل حكومة كان ظلها ثقيلا على معظم الناس. من شأن ذلك أيضا أن يطرح تساؤلات قلقة عديدة بخصوص الأجهزة الأمنية التي من الواضح أنها تعيش حاليا تجاذبات خطيرة بعد عقود صاغها فيها الرئيس بن علي على طريقته الخاصة. وإذا أضيف لكل ذلك اكتشاف مخازن أسلحة ومتفجرات بين فترة وأخرى مع وجود تيارات دينية متشددة وتكفيرية تعمل في أكثر من وسط لبث أفكارها ورؤاها، فإن ذلك من شأنه أن يضاعف مؤشرات القلق على مستقبل التجربة التونسية التي ما زالت، رغم كل شيء، النموذج الأقدر على النجاح بين كل دول ‘الربيع العربي’.
في المقابل، فإن مؤشرات التفاؤل والطمأنة في تونس لا تقل أهمية هي الأخرى. أولها على الإطلاق أن المجتمع، بنسائه ورجاله وشيبه وشبابه، أظهر عموما حيوية واضحة في نبذ الغلو والتطرف والإرهاب وهو ما بدا جليا في ردود فعل الناس العاديين بعد كل مواجهة مع مجموعة مسلحة.
 التونسيون الذين تربوا لعقود طويلة على قيم التدين المعتدل والمتسامح والضامن للحرية الشخصية وحق الإختلاف ونبذ فرض أي فهم ضيق وإقصائي للإسلام يشكلون حصنا قويا في جدار المناعة الاجتماعية ضد منطق التكفير والعنف، جنبا إلى جنب مع كل قوى المجتمع المدني والأحزاب السياسية.
كل الخوف الآن أن عودة الإرهاب مع حكومة جديدة مهمتها الأساسية الإعداد لانتخابات عامة قبل نهاية هذا العام قد يقلب الأولويات ويجعل المجتمع لا يتحدث الآن سوى عن هذا الإرهاب وأخطاره مما قد يعيد أجواء الدولة الأمنية مع تغذية
إرهاب جماعي مما يحدث. إذا تم ذلك يكون الإرهابيون قد فرضوا ما يريدونه مع أن المطلوب هو المضي في محاربتهم كأن لا تحول ديمقراطيا في البلد ومواصلة استحقاقات هذا التحول وكأن لا إرهاب في البلد. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق