بهدوء
|
تونس..
الثورة
الثانية
بقلم محمد المالكي
أستاذ العلوم السياسية
جامعة مراكش - المغرب
كتب الأستاذ الكبير محمد
المالكي أستاذ العلوم السياسية وإخصائي القانون الدستوري في جامعة مراكش المغربية
، مقالا لمدونة الوسط، أشاد فيه بتونس، وإعلان الدستور ، معتبرا إياه ثورة تونس
الثانية، وفي ما يلي نص المقال:
يحق للتونسيين..كل التونسيين الافتخار بثورتهم
الثانية: ثورة صياغة دستور الجمهورية الثانية والتوافق حول قيمها، وأسس العيش في
كنفها. فبالمصادقة النهائية على الدستور يوم الاثنين 26 يناير 2014، والختم الرسمي له يوم الثلاثاء27 يناير 2014،
تكون تونس قد عزّزت ثورتها الأولى[14 يناير 2011] بثورة ثانية، تتكاملان معاً في
القيمة و الأهمية، و تتناغمان في المقاصد، والأبعاد.
يستمد الشعور بالافتخار لدى التونسيين شرعيتَه
من قدرة المجتمع على وعيِ صعوبات المرحلة الانتقالية، والتوافق من أجل تسييرها
بكثير من المسئولية، وقليل من الخسائر.وحين نقول المجتمع نقصد القوى السياسية
والاجتماعية الحية، التي أججت الثورة
الأولى، ونسجت خيوط الثورة الثانية.والواقع أن ليس من حق التونسيين وحدهم التعبير
عن فرحهم بصياغة دستور اجتمعت فيه كل
مقومات الجودة، بل من حق أشقائهم ومناصريهم أن يقاسموهم الشعور نفسه.
ليس غرض هذا العمود التوقف عند بناء الدستور
التونسي الجديد ومبادئه، فذلك ما يمكن أن يشكل موضوع مقالة لاحقة. مقصدنا التأمل
في ما يمكن اعتباره مفاتيح نجاح التونسيين في صياغة دستور متوافق عليه، بالحوار،
والنقاش، و الاختلاف البنّاء، والتراضي الإيجابي.
يُعتبر الإرث الدستوري وطبيعة
تكوين المجتمع التونسي من المفاتيح المساعدة على نجاح التونسيين في كتابة دستورهم.
فمن المعروف أن تونس شهدت حركة
دستورية قديمة ومتطورة قياساً مع المنطقة العربية، والمغاربية تحديداً ، يرجع
تاريخها إلى وثيقة العام1861.وحتى دستور الجمهورية الأولى [1959]، لم يكن سيئاً،
على الأقل خلال العشرية الأولى من وضعه، أي قبل أن يطاله التعديل لمرات
عديدة، فيتحول إلى ما تحول إليه. أما
المجتمع فظل بناؤه متوازنا إلى حد بعيد، تخترق نسيجه طبقة وسطى ذات قيمة ديمغرافية
وتعليمية عالية. ناهيك عن الإصلاحات المتراكمة على عهد خير الدين باشا في النصف
الأخير من القرن التاسع عشر، والتي لعبت، بدون شك، دورا فعالاً في صقل ثقافة
التونسيين ومدركاتهم الجماعية.
يتعلق المفتاح الثاني بالديناميات السياسية التي
أطلقها سياق الثورة الأولى، والتي يمكن وسمُها بعنوان عريض " بناء التوافق من
أجل تسيير المرحلة الانتقال وإنجاحها".
والحقيقة أن التجربة التونسية
كانت مميزة وذات دلالات عميقة مقارنة ما هو حاصل في أكثر من بلد عربي.
فمنذ البداية تشكل تحالف ثلاثي
متنوع لقيادة البلاد، والتزم الجيش
بالحياد، واستمر المجتمع يقظاً، ومستعداً لمراقبة خطوات تحقيق أهداف الثورة.
وحتى حين أجريت الانتخابات
التشريعية في أكتوبر 2011، وفازت حركة النهضة بالأغلبية النسبية وعت أن
طبيعة المرحلة الانتقالية تقتضي منها اقتسام المسئوليات مع حلفائها، ليس بمنطق
الشرعية الانتخابية التي منحتها مركز الصدارة في النتائج، ولكن بمنطق التعاون من
أجل بناء تونس الجديدة.. وحتى حين كانت
تخترقها نزعات التراجع عن هذا المنطق، كانت يقظة المجتمع تُرجعها إلى الصواب، بل
إن منطق الصواب قادها إلى التخلي عن قيادة العمل الحكومي، لتحضير البلاد لانجاز
حلقة إعداد الانتخابات الرئاسية والتشريعية بروح بناءة.
يخُص المفتاح الثالث مكانةَ المجتمع المدني
وأدواره المفصلية في إنجاح تسيير المرحلة الانتقالية في تونس. والواقع أن ما أنجِز
في تونس، بما فيه الدستور الجديد، مدين بقدر كبير ليقظة المنظمات العمالية
والحقوقية، و الجمعيات المهنية والقطاعية، والروابط النسائية والشبابية.
فعلى امتداد الثلاث سنوات التي
أعقبت ثورة الرابع عشر من يناير 2011، ظل المجتمع المدني المقياس الذي نختبر به
درجة حرارة الجسم التونسي.. ففي كل لحظة كانت ممارسات السياسيين، أو بعضهم، تروم
الخروج عن روح الثورة، كانت تصطدم بمقاومات المجتمع المدني، فتعود،
مضطرة، إلى ما يجب أن تسير على هديه..
لقد أكد لي، قبل شهور، صديق عزيز، واحد
أبرز الباحثين في القانون الدستوري، أن الشارع التونسي هو من كتب فعلا دستور
البلاد، وليس المجلس الوطني التأسيسي.
تنتظر تونس، بعد انجاز ثورة كتابة الدستور،
خطوات مهمة وتحديات كبيرة..ينتظرها استكمال الحلقات التأسيسية القادمة، أي
الرئاسيات والتشريعيات، وفي خضم كل ذلك تواجهها تحديات عميقة وصعبة، أبرزها تطويق
المدّ السلفي، المستفيد من مناخ الثورة وتفجر ينابيع الحريات..وينتظرها تنشيط عجلة
الإنتاج الاقتصادي، وبسط مناخ الثقة، لتحفيز الاستثمار، وتوسيع منسوب عودته إلى
تونس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق