الثلاثاء، 18 فبراير 2014

قرأت لكم : الجامعي المغربي امحمد المالكي يكتب عن تعثر اتحاد المغرب العربي

قرأت لكم

ربع قرن من الغَفوة
بقلم امحمد المالكي*
*من "أخبار اليوم" المغربية

    مرَّ رُبع قرن بالتمام والكمال على تأسيس " الاتحاد المغاربي"[17 فبراير 1989 ـ 17 فبراير  2014]، وما زال المشروع  يشكو عُسر الانطلاق الفعال، وهشاشة شرعية الانجاز، بل يمكن  القول، دون تردد، أن الفكرة المغاربية ذاتها تآكلت بالتدريج، و فقدت جاذبيتها التاريخية والسياسية، على الرغم من ترديد خطابات القادة المغاربيين لها، والدعوة إلى التمسك بها، والسعي إلى تطويرها..فقد كان في مُكن الاتحاد المغاربي منذ إحداثه في العام 1989 أن يُراكم الكثير من الانجازات، ويفتح العديد من الأوراش ، ويمنح المغاربيين هُوية جماعية قادرة على تقوية رصيدهم من القوة الداخلية، وتعزيز مكانتهم الجهوية والدولية..بيد أنه لم يفعل كل هذا، وبقي يعيش غفوةً مزمنة سنوات قليلة  بعد ميلاده [1994]..فلا هو مستيقظ ويقظ، ولا هو نائم تماما يستلذ بسُباته.
  لم يحقق الاتحاد المغاربي أي رهان من الرهانات التي أسست شرعيةَ ميلاده. ففي جانب الأمن المشترك، ظلت العلاقات الأمنية البينية متأثرة إلى حد بعيد بمتغيرين أساسيين، يتعلق أولهما بقضية الحدود، في حين يخص ثانيهما مفعول الحرب الباردة والقطبية الثنائية على دول المنطقة. وعلى الرغم من زوال هذه الأخيرة، ما زالت موجات التسلح مشتعلة، وكأن بلاد المغرب مقبلة على حرب لا ريب فيها.ومن زاوية الاقتصاد، يشكو الاقتصاد المغاربي من ضعف الاندماج البيني، وتواضع نسب المبادلات، وتنافس أنماط الإنتاج، والتبعية العمودية للخارج [أوروبا تحديدا]. أما السياسة الخارجية، فظلت ، هي الأخرى، ضعيفة من حيث التوافق حول التوجهات الجماعية، وتنسيق الاختيارات المشتركة، الأمر الذي أبقى المنظقة برمتها عرضةً لتنافس القوى الأجنبية،  وتجاذب المشاريع الدولية.
  سبق للمغرب في إحدى خطب عاهله أن شدد على ضرورة إقامة نظام مغاربي جديد، يتماشى مع المتغيرات الجديدة للمنطقة والعالم.والواقع أن الدعوة إلى إعادة تأسيس الفكرة المغاربية تعدّ  مفتاح  إيقاظ الاتحاد المغاربي من غفوته، وجعله أكثر فعالية، وأعمق قدرة على الانجاز. بيد أن إعادة التأسيس، بما هي سيرورة مركبة تروم الهدم والبناء، تحتاج إلى جملة متطلبات، أهمها وضوح الرؤية، والحال أن الوضوح لا يتأتى إلا بالحوار، والإنصات، والاستعداد للتفاوض من أجل التوافق، وكلها مقومات من طبيعة ثقافية وقيمية، أي مما يندرج ضمن خانة الذهنيات وأنماط الوعي. ثم إن القيمة البيداغوجية للحوار ومشمولاته  ـ وهو مع الأسف الغائب في منطقتنا المغاربية ـ هي التي تيسّر للأطراف سُبل رسم الاختيارات وتحديد الأولويات، وانتقاء وسائل الانجاز، وهي التي أيضا تُبقي الباب مفتوحا بين الجميع لتسوية الخلافات، وتدبير النزاعات، بطرق سلمية ومتحضرة، أي بأقل الخسائر.. لنتصور مثلا، لو كان نصف مخزون هذه القيم حاضراً وضاغطا، هل كانت ستظل الحدود المغربية الجزائرية مغلقة  خمسا وثلاثين سنة من أصل ثلاث وخمسين سنة مرت على استقلال هذا القطر الشقيق؟؟.
  من متطلبات الرؤية الجديدة، علاوة على ما سبق بيانُه، إعادة تأسيس المشروع المغاربي على وعي جديد، لا يبخس دور المقومات المشتركة، من دين ولغة وتاريخ، ولا يضخمها في الآن معا، بل يعتبرها مساعدة، وميَسِّرة، ويركز، بالمقابل، على عوامل المصلحة، والمشاريع المشتركة، وتشابك المنافع المتبادلة بين المجتمعات، والواقعية والتدرج في إدراك المقاصد والانجازات. فحين تتشابك المصالح، ويلمس الناس، كل الناس، وجود منافع فعلية متبادلة، يتملكون بالضرورة روح الدفاع عنها، والنضال من أجل استمرارها.. لكن لابد أن نعي أن بثّ عناصر الرؤية الجديدة المؤسَّسة على المصالح المشتركة،  ينضج  ويتأتى في مناخ حر ،ومفتوح، وموسوم بالقدرة على التعبير دون خوف، أي في بيئة ديمقراطية. لذلك يُعتبر كل تقدم في إرساء لبنات الديمقراطية في المنطقة المغاربية، إرساء في الآن معاً للرؤية الجديدة للمشروع المغاربي.وفي هذا السياق، لنتصور إذا كسبت تونس رهان الانتقال الديمقراطي، وتعمقت روح الإصلاح الدستوري والسياسي في المغرب، وحصلت حلحلة حقيقية في اتجاه الدمقرطة في الجزائر وموريتانيا، وتمكنت ليبيا الجديدة من استعادة هيبة الدولة وبناء المؤسسات، هل سيظل المشروع المغاربي سجين غفوته؟.
 قطعا ستزرع موجة الدمقرطة روحاً جديدة في كيانه، و سيصبح فعلاُ واقعاً مشتركاً لكل المغاربيين.
*أستاذ العلوم السياسية في جامعة مراكش
<mhammedmalki@yahoo.fr>





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق