قرأت لكم
|
|
بترخيص من صاحب المقال الأستاذ عبد
السلام القلال ننشر هذه الآراء التي سبق نشرها في صحيفة "الصريح الغراء"
تعميما للفائدة:
والمقال يجدد الدعوة إلى تحمل
الفئات التي تتمتع بحظ الكسب وتتوفر على دخل إلى المساهمة في إنقاذ تلك الفئات
والجهات المهمشة في كلمات بسيطة ولكن مؤثرة، ومن هذه الناحية فهو دعوة لتحقيق
توازن ضروري، على الحكومة الجديدة أن ترعاه وتعمل به ، من أجل إنقاذ الوطن.
رسالـة أمــل و طمأنــة وتضامــن
بقلم عبدالسلام القلال – المحامي
نعيش هذه الأيام الذّكرى الثالثة لثورة 17 ديسمبر
2010 ولا نجرأ بالقول أننّا نحتفل بها في الوضع المتّردي التّي أصبحت عليه تونس في
جميع المجالات، اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا بعد 03 سنوات من حكم لم يرتق إلى
الحوكمة الرشيدة. هذا الوضع أصبح يهدّد كيان الدولة إذا ما تواصل ولم نسع للتصدّي له،
وهذا ما ننتظره من حكومة الكفاءات حتّى تتخّطى بسلام المرحلة الانتقالية الثانية
المؤدية إلى الانتخابات الرئاسية والتّشريعية لإرساء نظام ديمقراطي تعّددي.
الوضع الذّي تعيشه تونس اليوم، يؤّكد انحراف الثورة
عن مسارها الصحيح، ومن أسباب هذا الانحراف هو عدم مواصلة تأطيرها في المستوى
الوطني من طرف الاتحاد العام التونسي للشغل غداة انطلاقها، رغم أنّ المكاتب المحليّة
والجهوية للاتحاد في الولايات هي من احتضنت ثورة 17 ديسمبر 2010 التّي كانت في
حاجة لمن يقودها ويؤّطرها على المستوى الوطني ويضعها في الاتجاه الصحيح.
وكان في استطاعة اللّجنة المركزية للاتحاد، أو الشّق
الثوري الممانع أن يتزعّم الحراك الثّوري وقيادته بالإعتماد على الشرعية الثورية
التّي هي أمّ الشرعيات. وكان في الإمكان، وقتها، تعزيز هذه الشرعية بشرعية النضال
التّي اكتسبتها أحزاب المعارضة التّي قاومت بن علي طيلة حكمه و كذلك بالشّرعية التّاريخية،
شرعية مقاومة الاستعمار وبناء الدولة المتمثّلة في عضد من أعضاد الزعيم الحبيب
بورقيبة المناضل الباجي قائد السبسي.
كانت كلّ هذه الشّرعيات تمثّل قاعدة صلبة لتكوين حكومة
إنقاذ وطني، تؤطر الثّورة وتوجّه الشعب وتدفعه بجميع فئاته وبالخصوص الفئة
المحظوظة -المتّمثلة في أصحاب رؤوس الأموال وكلّ من له شغل ودخل قار- إلى المساهمة
في نطاق آليات يقع إعدادها لتحقيق أهداف الثورة وفي مقدمتها توفير الشغل للشباب
العاطل وتنمية الجهات المهمّشة وذلك كأولوية قصوى وما عدا هذا، كلّ الحاجيات
والطلبات ترجأ لما بعد عندما تسترجع البلاد أنفاسها.
لو كان المرحوم الزّعيم فرحات حشاد الذّي
عرفته من قريب، على رأس الاتحاد زمن ثورة ديسمبر 2011 لتلّقف الفرصة التاريخّية أمام
الفراغ السياسي لقيادة الثورة والبلاد معا، مثل ما فعل عندما تسّلم مشعل
الكفاح الوطني بعد إبعاد القيادة السّياسية وعلى رأسها المرحوم الزعيم الحبيب
بورقيبة في 18 جانفي سنة 1952 ، فقاد الاتحاد والثّورة المسّلحة ضدّ الاستعمار
معا. ومن حسن حظ تونس، أنّ غياب الاتحاد على المشهد السياسي لم يطل فاللّجنة
المركزية المنبثقة عن مؤتمر طبرقة أبرزت رجالا أثبتوا وجودهم وكفاءاتهم على السّاحة
السياسية وحرصوا على أن يلعب الاتحاد دوره التاريخي بتّبني سياسة الحوار وفرضها
على جميع الأحزاب وبذل أقصى الجهد لإنجاحها من خلال الرباعي الراعي للحوار.
ومن حسن حظّ تونس، أن يكون السيد حسين العباسي الأمين
العام للاتحاد التونسي للشغل صحبة الرباعي الرّاعي للحوار في مستوى اللّحظة التّاريخية
لتصحيح مسار الثّورة والوصول بتونس مع حكومة الكفاءات إلى برّ الأمان. فالحكومة
المنتظرة مدعوة، في بداية المرحلة الانتقالية الثالثة، أن تقوم بما لم تقم به
الحكومات المتعاقبة من تاريخ الثورة وهو تجسيم التضامن الفعلي بين فئات الشّعب
والجهات، ودفع الجميع نحو العمل والاستثمار والانتاج بدل المطلبية، وتطبيق القانون
بكلّ حزم لإرجاع هيبة الدولة والحفاظ عليها والتّوقي من العنف والإرهاب.
فالشباب العاطل والباحث عن الشّغل الذي يعدّ بمئات
الآلاف هو صاحب الأولوية المطلقة في التّشغيل ليؤمّن لقمة العيش كما الجهات
المهمشة لها الأولوية في التّنمية.
فالواجب الوطني يفرض اليوم على الجميع ترك الحسابات
والمزايدات والمصالح الضيّقة لرفع التحّديات وذلك لا يكون إلا بالتّضحية وشدّ
الأحزمة وتحمّل الحرمان والتخّلي عن الإعتصامات العشوائية والمطلبية المجحفة
والتّحلي بالصبر في كنف التّضامن بين كل الفئات.
ولذا المطلوب
من الحكومة، الجديدة أن تصارح الشعب
بحقيقة الواقع الصّعب وكلّ الحقيقة، على ما يتربص البلاد من مخاطر عسى أن تجعل
حدّا لعقلية النّهم والتواكل واللاّمبالاة
وتدفع بالجميع إلى العمل الجّاد.
كما المطلوب اتّخاذ قرارات جريئة تبعث بها رسالة أمل
وطمأنة وتضامن إلى الجهات المهّمشة والفئات التّي تشكو من البطالة والحرمان وتتّمثل
هذه القرارات في إعطاء الأولوية المطلقة لهؤلاء وإشعارهم أنّ الحكومة والشعب إلى
جانبهم وليس بالخطاب فقط كما هو الشأن إلى حدّ الآن، بل بالفعل.
أليس من باب العدل وطمأنة الفئات المسحوقة بأن تدعو
الحكومة المحظوظين، أي الميسورين من أصحاب رؤوس الأموال وكلّ من لهم شغل ودخل قار،
أن يساهموا، إلى جانب المجهود الذّي تبذله الدّولة بالإعتماد على القروض لتوفير
الإمكانيات الضرورية لمواجهة الفقر والبطالة وايجاد الآليات لتحقيق ذلك؟؟
وفي هذا الإجراء إنصاف لمن ضّحوا بالدّم للإطاحة
بنظام الاستبداد بأن يجدوا المساندة ممّن لم ينلهم شرف المشاركة في هذه الثورة.
و من الطبيعي
أن يتحمّل من استفاد من هذه الثورة نصيبه من التّضحية، فإن لم يدفع ضريبة الدّم، فعليه
أن يساهم على الأقل بضريبة المال وهذا أضعف الإيمان.
فالثورة ليست فرصة لطلب الحقوق بقدر ماهي فرصة للقيام
بالعديد من الواجبات إزاء الوطن وإزاء المحرومين وعلى مسؤولي المنّظمات والأحزاب التّفهم لهذه
المعاني ولطبيعة المرحلة فالحراك الاجتماعي هو مكسب من مكاسب الثورة، ولكن يجب ألاّ
يؤول إلى اعتصامات عشوائية ومطلبية مجحفة وشغب متواصل. فالزيادة في الأجور لا ترفع
من مستوى عيش المواطن إذا لم تكن مشفوعة بالزّيادة في الانتاج والإنتاجية وتعميق
الشعور بالتّضامن بين الفئات الاجتماعية والمؤسسات العامة والخاصّة من شأنه أن
يخفف الاحتقان والشعور بالضّيم ويوّفر الأمن الاجتماعي ويشّجع على الاستثمار
وتوفير الشغل. فهل من آليات لتفعيل هذا الشعور الوطني بالتضامن وترجمته إلى
مساهمات مالية تتبّرع بها الفئات الميسورة لتمويل مشاريع تشغيلّية لفائدة الفئات
المسحوقة.
فإذا كانت إحدى الآليات بعث صندوق للتضامن والتّنمية
يموّل عن طواعية من طرف المحظوظين والميسورين، فيكون له الأولوية القصوى على مختلف
الصناديق الأخرى .
ولا يمكن اعتبار هذه المساهمات من باب الصدقة، بل هي
من باب واجب التضامن إزاء من أهدونا ثورة التحّرر والانعتاق . ولها تأثير معنوي
كبير في نفوس العاطلين المحرومين ، فتهدأ نفوسهم ويقوى فيهم الإحساس بأنهم ليسوا
وحدهم في مواجهة الخصاصة، ويتعمّق فيهم شعور المواطنة والغيرة على أمن البلاد
وينزع عنهم شعور الغبن والتهميش واللامبالات إزائهم .
هذا ما لم يحصل من كلّ الحكومات التّي جاءت بعد
الثورة، فلم تراع هذا الجانب النّفسي والمعنوي للحراك الثوري وهو ما يفّسر،
إلى جانب العديد من العوامل الأخرى، انحراف المسار الثّوري وأصبحت تونس اليّوم على
قاب قوسين من الإفلاس وأضاعت الأحزاب الوقت الثّمين الذّي أدّى إلى إضاعة جلّ مكتسبات الثورة التّي أذهلت العالم وحضيت
بالعطف والمساندة من كل الدّول وتحصّلت على تمويلات ما كانت تخطر على بال، فأضاعتها
الحكومات المتّتالية والمنتظر من حكومة الكفاءات أن تتّبنى هذا المقترح الرّامي
إلى تجسيم شعور التّضامن والمواطنة لعلّه يحدث الرّجة النّفسية
التّي تطمئن العاطلين والمحرومين وتفتح أمامهم الأمل في المستقبل حتّى يتّحلوا
بالصّبر ، وتضع حدّا للمطلبية المشّطة والإعتصامات، التّي من شأنها أن تعطّل
مشروعها لانقاذ البلاد وتقي تونس من ثورة ثانية التّي ستكون هذه المرّة لا قدّر
الله ثورة العاطلين والجياّع.
تونس في 23/01/2014
الأستاذ عبد السلام القلال
محام
مناضل دستوري خلال خمسينات
وستينات القرن العشرين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق