الجمعة، 31 يناير 2014

قرأت لكم : قراءة مقارنة بين دستورين


قرأت لكم
 أود بادئ ذي بدء الإعتذار  من الصديق الأستاذ سمير عبد الله المحامي، الذي كان يكتب باستمرا في جريدة الصباح ، قبل وأثناء الفترة التي كنت فيها رئيس تحريرها، وذلك لإني لم أحصل على ترخيص منه قبل نشر ، باكورة إنتاجه الغزير بشأن المقارنة بين دستور  1 جوان 1959 و26 جانفي 2014 ، وذلك لأني لم أستطع أن أحصل عليه رغم المحاولات المتكررة ، بعد أن فقدت رقم تليفونه.
ولقد قرأت هذه المحاولة للمقارنة والتحليل بين دستورين ووجدت أنها تتميز بالطرافة من جهة، وعمق النظر، رغم أني لا أشاطر كل ما جاء فيها، وأعتقد أن كثيرين قد يكونوا مثلي فيما آخرون يشاطرون الأستاذ الرأي.
فمعذرة مجددا وهذا هو النص


تونس بين دستورين: قراءة ساخنة بعقل بارد


بقلم الأستـاذ: سمير عبد اللـــه المحامي لدى التعقيب

الآن و قد هدأت، شيئــا مـا، موجة التهليل و التفـاخر و المباركة للدستور الجديد الذي وقع ختمه يوم الاثنين 27 جــانفي، حــان الوقت لقراءة هــادئة، عقلانية و قانونية لهــذا الدستور الذي "ملأ الدنيــا و شغل النــاس" وعلى امتداد أكثر من سنتين، فمــا هي الحصيلة و ما هي الخلاصــات؟ ...
لنكن واضحين من الأوّل : سنعتمد في قراءتنا على النصّ الأصلي لدستور غرّة جوان 1959 دون اعتبــار جملة التعديلات التي أدخلت عليه في عهدي بورقيبة و بن علي ثمّ سنبتعد في قراءتنــا عن التجــاذبات السيـاسية و العقـائدية التي أصبحت عنوان ما يسمّى في بلادنا المرحلة الانتقــالية.
1-
لا يختلف اثنــان و أن إلغــاء دستور 1959 و سنّ دستور جديد لم يكن في أيّ وقت من الأوقـات مطلبا للاحتجاجات الشعبية التي شهدتها بلادنا في الفترة من 17/12/2010 إلى 14/01/2011، وهي احتجاجات تركّزت بالأســاس على مطالب اجتماعية و مطالب سيـاسية بدرجة ثانية و من هنا جــاءت التسمية الرائجة "ثورة الحريّة و الكرامــة"، ذلك أن الغضب الشعبي انصبّ على السلطة السياسيـة التي كـانت قائمة و لم يكن هدفـه الدولة التونسية المستمرّة منذ قرون و التي تشكّلت سيادتها بتحقيق الاستقلال في 20 مــارس 1956.
2-
قليلة جدّا هي الدول التي ألغت دســاتيرها لوضع دسـاتير جديدة، فالدستور هو عنوان سيـادة الدولة ككيـان، وهو شهـادة ميلادها عند التحرّر من استعمــار.
و تونس قبل 14 جــانفي 2011 لم تكن دولة مستعمرة، تحت الاحتلال.
و لنأخذ كبـار الديمقراطيات في العـالم: الهنـد – أمريكا – بريطانيا – و غيرها، بريطانيا ليس لها أصلا دستور مكتوب بل أن نظـامها السيـاسي يسير وفق قواعـد تعتمد العرف و التقـاليد، أمّـا في الولايـات المتحدّة، فإن دستورها ســاري المفعول منذ قرابة الثلاثة قرون و لم يتغيّر حرف واحـد منه و فرنســا القريبة منّا، بقي دستور الجمهورية الخــامسة قائما فيها دون أدنى تغيير. فالدسـاتير لها قدسيتها باعتبــارها التعبير الأرقى لإرادة الأمم و التي تعبّر عن هويتّها الأصيلة و اختيــاراتها التي وضعها و خطهـا الآبـاء المؤسسون، و هي ليست بقوانين عادية، مثل مجلة الطرقــات أو المجلّة التجـارية التي تتغيّر بتغيير الظروف.
3-
إن دستور الجمهورية لسنة 1959 هو وليد مخـاض عسير بعد تحرّر البـلاد من الاستعمــار و أن المجلس القومي التأسيسي كـان التعبير الأصدق لإرادة الأمّة، مثّلت فيه جميع التعبيرات السيـاسية و الاجتمـاعية و رغم استئثـار حزب الدستور بزعـامة الرئّيس الراحل الحبيب بورقيبـة بالأغلبية فيه، فإنه لم يفرض إرادته و رؤاه السيـاسية خلافا لدستور تونس الجديد الذي خضع على امتداد سنتين للغـة التجـاذبات و موازين القوى السياسية داخل المجلس الوطني التأسيسي.
فعبــارة "دستور توافقي" تهدف في الحقيقة إلى التسويق السيـاسي و الإعلامي و لا يمكن لها أن تخفي حقيقـة الصراعــات و التجاذبــات التي دارت في رحــاب و كواليس المجلس و التي وصلت إلى حدّ التلاكم، فضلا عن التلاسن و تبـادل الشتـائم على الهواء مبــاشرة.
4-
إن الدستور باعتبــاره قـانون القوانين هو مجموعــة قواعـد عـامّة، مجرّدة، تخطّ الخيـارات الكبرى للدولة و تنظّم مؤسساتها و توزّع السلطـات فيما بينها، فهي لا تدخل في التفـاصيل و الجزئيـات و تبتعد عن التنـاقضـات الظرفية السـائدة و تنــأى بنفسها عن الخوض في المسـائل العقائدية و الإديولوجية ، و تلك المواصفـات هي التي نفسّر ديمومـة و حيويّة و نفــاذ الدسـاتير.
فلنأخذ التوطئة مثلا، فتواطئـة الدستور الأصلي لسنة 1959 اقتصرت على خمسة فقرات من 15 سطرا تنـاولت عبارة "الإســلام" في مناسبة وحيدة بالقول أن الشعب التونسي "مصمّم على تعلقه بتعــاليم الإسـلام"، في حين جـاءت توطئة الدستور الجديد مكثّفـة من حيث التعبير و التأكيد في ثلاثة مناسبـات على "تمسّك شعبنـا بتعـاليم الإســلام" و "توثيق الانتمــاء للأمّة العربية و الإسلامية" و "التكــافل مع الشعوب الإســلامية".
و هــذه التوطئة التي ركّزت بشكل لافت و مثير على مسألة "الهويّة الدينيّة" مثّلت لوحـة القيــادة لمجمل الدستور وسعت إلى وضع بصمــات تلك "الهوية" في أكثر من فصل و موضع.
يأتي ذلك في بلد مسلم منذ 14 قرنـا، لعب دور الرّيـادة في نشر الإســلام في ربوع إفريقيا و تحتضن أوّل مسجد و أوّل جــامعة إسلامية في إفريقيـا و العــالم العربي و شيّدت فيه دولة الاستقلال أكثر من 4000 مسجد.
5-
إن الإصرار على هــذا التوجّه العقــائدي للحزب المنتصر في انتخـابات 23 أكتوبر و حلفــائه جعل من ولادة الدستور و منذ سطره الأوّل و بنده الأوّل جدّ عسيرة و بعد أن لوّح الحزب الحـاكم بقضيّة الشريعـة واعتمـادها كمصدر أسـاسي للتشريع، دخل البلد في متـــاهات الصراعـات العقــائدية بين رافض ومؤيّد واتضح فيما بعد أن المسـألة هي بالونـة هواء أريد منها رفع السقف إلى أعلى درجــاته للحصول على أكبر التنازلات في هـذا المسألة و تمّ "التوافق" في الأخير على الإبقــاء على الفصل الأوّل من دستور 1959 " تونس دولة حرّة، مستقلّة، ذات سيــادة، الإسـلام دينها، و العربية لغتهـا، و الجمهورية نظــامها" و لــــكن أضيفت لهــذا الفصل عبارة مفخّخة، نــادرا ما نجدها في الدسـاتير المقـارنة، تقول "لا يجور تعديل هــذا الفصل" و كأنّنـا أمــام فصل مقدّس لا يجوز الشرك بـه، فضلا عن سيل التأويلات التي سـادت النقـاشات العـامة بين من يعتبر أن المقصود من عبارة " الإسلام دينها"، هو أن الإسـلام دين الدولة و من يعتبر أن المراد بذلك هو دين الشعب.
6-
و مـا أكثر الفصول المفخّخة إلى حدّ الجمع بين جميع المتنــاقضـات في فصل واحد، و يبقى أبرز مثــال لذلك، الفصل الســادس، الذي جــاء نـاصا في نفس الوقت على حريّة المعتقـد و حريّة الضمير، و في المقــابل التزام الدولة "برعــاية الدين" و "حمــاية المقدّسـات" و "منع النيل منها" و في الآن نفسـه التزام الدولة بـ" منع دعوات التكفير و التحريض على الكراهيّة و العنف و التصدّي لهــا" .
و تلك المتنــاقضـات الواردة في ذلك الفصل و التي أثــارت جدلا واسعـا لم يقع حسمها، في حين أن التحقيقـات في قضيتي اغتيــال شكري بلعيــد و محمد البراهمي لا زالت جــارية، و المؤكّد أنها كـانت تنفيذا باردا لدعوات الكراهيّــة الصادرة عن جهــات تكفيرية معلومــة بالاسم.
ثمّ إن قضية حريّة الضميــر و حريّة المعتقـد فشلت في أوّل امتحــان في قضية المعتقل جــابر مـــاجرى المحكوم عليه بـ7 سنوات سجنا، فهل أن تلك القضيـة تتعلّق بممارسـة لحريّة الضمير؟ أم هي قضيّـة تتعلّق بمسّ بالمقدّسـات؟ و ما معنى ما راج من استعداد للعفو على ذلك المعتقل مقـابل تهجيره للإقــامة ببلد أجنبي ؟ !.
و للمقــارنة فإن دستور 1959 أكّد بصورة واضحة لا لبس فيها على أن الجمهورية "تضمّن حرمـة الفرد وحريّة المعتقـد و تحمي حريّة القيـام بالشعـائر الدينية ما لم تخلّ بالأمن العــام" (الفصل 5).
كمــا أن نفس ذلك الدستور "يحجر تغريب المواطن عن تراب الوطن أو منعه من العودة إليه" (الفصل 11).
7-
جميل أن يخصّص الدستور الجديد بـابا كـاملا لضمـان أوسع الحقوق و الحرّيـات، و جميل أن يؤكّد ذلك الدستور على الحقوق المكتسبة لفــائدة المرأة و إرسـاء المساواة الكاملة مع الرجل، إلاّ أن تلك الحقوق والحرّيـات عند تجسيمها على أرض الواقع ستبقى رهينـة التأويلات و الاجتهادات لأن الدستور هو نصّ متكــامل يؤخــذ على إطلاقه و يخضع لمنهجيّة الوحدة في القراءة، نظرا لترابط الفصول، و الكل في انتظــار انتصـاب المحكمة الدستورية وفقه قضــاء الحراكم عند تقديم الطعون أو النظر في دستورية القوانين.
تلك ملحوظــات سريعة اقتصرت على قراءة لبعض بنود الدستور الجديد و ليس هنــا مجـال التمحيص فيه و تحليله.
كلام كثير قيل فيـه من داخل الكتلة الحاكمة و خــارجها و من خبراء القــانون الدستوري، كلام فيه كثير من السلبية ويدخل بعضــه في إطــار المزايدات، فمن نصدّق من قــال إن هـذا الدستور "ولد ميّتا"؟ و من قــال حول مسألة تجذير الهوية العربية الإسلامية بالفصل المتعلّق بالتعليم "إن هــذا يعتبر يوما أسودا"؟ و بين من هلّل قائلا إنه أفضل دستور أخرج للنـــــاس؟
هي تجربــة و محطّة تــاريخية هامّة، تونس اليوم لها دستور جديد، وصفـه الخـارج بالدستور "الأكثر تقدّميّة في العــالم العربي" كلّف البلد الكثير من المــال و من الوقت، و المؤكد أنه دستور نشــأ و ولد في ظرفية سيــاسية استثنــائية مرّت و تمرّ بها البــلاد، ظرفية فرضت معـادلة داخلية و خارجية، و هــذا الدستور هو أبرز تعبير عنها، و خلافا لما يعتقده البعض، الدســاتير ليست بقوانين مقدّســة، و لا شيء يمنع من تعديلهــا و تصويب ما يطرأ عليها من شوائب كلّمــا تغيّرت المعادلة ...


الأربعاء، 29 يناير 2014

قرأت لكم : بين تونس ومصر لمحمد كريشان


قرأت لكم    
بترخيص من الأستاذ امحمد كريشان نشر في ما يلي نص المقال الذي نشره الصحفي القدير في صحيفة القدس نظرا لأهميته في تحليل الواقع الحالي في تونس ، وانتظارات المستقبل:
تونس الأمل
محمد كريشان
JANUARY 28, 2014


خطوة كبيرة قطعتها تونس في اتجاه إنهاء المرحلة الإنتقالية بسلاسة ووضوح. الكل تنفس الصعداء بالمصادقة على دستور الجمهورية الثانية وتشكيل حكومة كفاءات غير حزبية تقود البلاد إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية هذا العام.
 الخروج من عنق الزجاجة بصدور دستور طال انتظاره وبروز حكومة جديدة أختير أعضاؤها على أساس ‘الاستقلالية والكفاءة والنزاهة’ كما قال مهدي جمعة الذي خلف علي العريض في رئاستها، لن يهوّن في شيء من حجم ما هو منتظر رغم أهمية ما قـُـطع.
لقد ارتعب البعض في تونس من ‘المثال المصري’ بعد الإطاحة بالرئيس مرسي وكل المؤسسات المنتخبة عبر انقلاب عسكري استغل سخط جزء هام من الرأي العام على الإسلاميين وطريقة حكمهم، لكن التونسيين استطاعوا أن يوظفوا هذا السخط المماثل لديهم لدفع الإسلاميين التونسيين إلى تنازلات هامة أوصلتهم في النهاية إلى ترك رئاسة الحكومة والموافقة على ‘خارطــة طريق’ رعتها أطراف نقابية ومهنية تمكنت في نهاية المطاف من إخراج تونس من أزمة سياسية خانقة.
سر نجاح التجربة التونسية يكمن في إدراك كل طرف لحدود قوته، مع جيش وطني غير مستعد لأية مجازفة غير محمودة العواقب: أدركت حركة ‘النهضة’ مدى تمسك التونسيين بنمط مجتمعهم المنفتح والمتعدد فرأت أن من مصلحتها ومصلحة البلد ترك السلطة عن طواعية على أن تجد نفسها يوما تاركة إياها بأسلوب يسيء إليها وإلى التجربة الديمقراطية الهشة، تماما كما أدركت الأوساط المعارضة لها أن الإختلاف مع ‘النهضة’ لا ينفي شعبيتها وبالتالي ليس من الحكمة الدخول في مواجهة مفتوحة معها ناهيك عن عبثية وعدم ديمقراطية البحث عن استئصالها. من هنا تحول البحث عن التوافق في صياغة الدستور وفي كل الخطوات المصاحبة ‘فنا’ قائما بذاته أبدت الطبقة السياسية قدرا لا يستهان به من تمرين النفس عليه قبل إجادته رغم حداثة تجربة الجميع في الحكم والمعارضة.
نجاح هذه الصيغة في التعايش السياسي في تونس وحرص سياسييها الفاعلين على تجنب المآل المصري، الذي عقــّــد الوضع أكثر ولم يحل أيا من المعضلات الرئيسية، والمآل الليبي، الذي أدخل البلاد في فوضى السلاح وانهيار الدولة ، هو الذي يفترض أن يسود الآن حتى تستطيع الحكومة الجديدة أن تعمل براحة بال حتى موعد الانتخابات العامة.
حل المعضلة السياسية في تونس وتحقيق هذا الانفراج الكبير سيخفف بدرجة هامة من الاحتقان الذي كان سائدا لكنه لا يكفي لوحده إذا لم يتم التوجه إلى الانكباب على معالجة الوضع الأمني والإقتصادي والإجتماعي الذي ما فتأ يتدهور طوال السنوات الثلاث الماضية مع وضع حد لأية جماعات عنيفة أو إرهابية وضرورة كشف الحقيقة في اغتيال شكري بلعيد ومحمد براهمي . لهذا كان رئيس الحكومة الجديد محقا حين تعهد بإيلاء ‘عناية خاصة’ لهذه الملفات معربا عن أمله في ‘تحسين الظروف الأمنية في البلاد التي تعتبر ضرورية لتنظيم الانتخابات’.
لقد ظنت كثير من المناطق المحرومة في تونس والشرائح المهمشة والعاطلة أن إزاحة حكم الاستبداد والفساد سيفتح لها سريعا أبواب الفرج والازدهار لكن غلاء المعيشة والارتفاع الدائم في الأسعار زاد من تفاقم الأوضاع . لهذا لا معنى إطلاقا للإنفراج السياسي إذا لم تصاحبه حزمة إجراءات عاجلة تخفف ولو نسبيا من خصاصة فئات واسعة من الشعب مع شجاعة مصارحتها بأن الأمور لن تتغير جذريا في المستقبل القريب وأن على الجميع التحلي ببعض الصبر الذي قد يأتي مع توضيح آفاق الإنفراج ومواعيده التقريبية على الأقل.
هنا على السياسيين والإعلام مسؤولية كبرى فلا يستسهلان تجييش النفوس عوض تبصيرها بأوضاع البلاد ومحدودية الإمكانات (هذا لا يتضمن طبعا السكوت على الأخطاء أو محاولة تبريرها).
هذا التوجه لن يكون مقنعا دون حض الجميع على العمل والكد ونبذ إلقاء كل العلل على الحكومة دون غيرها مع أهمية إعطاء الوزراء الجدد المثل والقدوة في التصرف والابتعاد عن العجرفة وقلة التوفيق التي طبعت الكثير من وزراء الحكومات السابقة الذين كان بعضهم يقبع في استديوهات البرامج التلفزيونية أكثر مما يعمل في وزارته.



قرأت لكم : التضامن الوطني لعبدالسلام القلال

قرأت لكم

بترخيص من صاحب المقال الأستاذ عبد السلام القلال ننشر هذه الآراء التي سبق نشرها في صحيفة "الصريح الغراء" تعميما للفائدة:
والمقال يجدد الدعوة إلى تحمل الفئات التي تتمتع بحظ الكسب وتتوفر على دخل إلى المساهمة في إنقاذ تلك الفئات والجهات المهمشة في كلمات بسيطة ولكن مؤثرة، ومن هذه الناحية فهو دعوة لتحقيق توازن ضروري، على الحكومة الجديدة أن ترعاه وتعمل به ، من أجل إنقاذ الوطن.

رسالـة أمــل و طمأنــة وتضامــن
بقلم عبدالسلام القلال – المحامي

        
نعيش هذه الأيام الذّكرى الثالثة لثورة 17 ديسمبر 2010 ولا نجرأ بالقول أننّا نحتفل بها في الوضع المتّردي التّي أصبحت عليه تونس في جميع المجالات، اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا بعد 03 سنوات من حكم لم يرتق إلى الحوكمة الرشيدة. هذا الوضع أصبح يهدّد كيان الدولة إذا ما تواصل ولم نسع للتصدّي له، وهذا ما ننتظره من حكومة الكفاءات حتّى تتخّطى بسلام المرحلة الانتقالية الثانية المؤدية إلى الانتخابات الرئاسية والتّشريعية لإرساء نظام ديمقراطي تعّددي.
الوضع الذّي تعيشه تونس اليوم، يؤّكد انحراف الثورة عن مسارها الصحيح، ومن أسباب هذا الانحراف هو عدم مواصلة تأطيرها في المستوى الوطني من طرف الاتحاد العام التونسي للشغل غداة انطلاقها، رغم أنّ المكاتب المحليّة والجهوية للاتحاد في الولايات هي من احتضنت ثورة 17 ديسمبر 2010 التّي كانت في حاجة لمن يقودها ويؤّطرها على المستوى الوطني ويضعها في الاتجاه الصحيح.
وكان في استطاعة اللّجنة المركزية للاتحاد، أو الشّق الثوري الممانع أن يتزعّم الحراك الثّوري وقيادته بالإعتماد على الشرعية الثورية التّي هي أمّ الشرعيات. وكان في الإمكان، وقتها، تعزيز هذه الشرعية بشرعية النضال التّي اكتسبتها أحزاب المعارضة التّي قاومت بن علي طيلة حكمه و كذلك بالشّرعية التّاريخية، شرعية مقاومة الاستعمار وبناء الدولة المتمثّلة في عضد من أعضاد الزعيم الحبيب بورقيبة المناضل الباجي قائد السبسي.
كانت كلّ هذه الشّرعيات تمثّل قاعدة صلبة لتكوين حكومة إنقاذ وطني، تؤطر الثّورة وتوجّه الشعب وتدفعه بجميع فئاته وبالخصوص الفئة المحظوظة -المتّمثلة في أصحاب رؤوس الأموال وكلّ من له شغل ودخل قار- إلى المساهمة في نطاق آليات يقع إعدادها لتحقيق أهداف الثورة وفي مقدمتها توفير الشغل للشباب العاطل وتنمية الجهات المهمّشة وذلك كأولوية قصوى وما عدا هذا، كلّ الحاجيات والطلبات ترجأ لما بعد عندما تسترجع البلاد أنفاسها.
لو كان المرحوم الزّعيم فرحات حشاد الذّي عرفته من قريب، على رأس الاتحاد زمن ثورة ديسمبر 2011 لتلّقف الفرصة التاريخّية أمام الفراغ السياسي لقيادة الثورة والبلاد معا، مثل ما فعل عندما تسّلم مشعل الكفاح الوطني بعد إبعاد القيادة السّياسية وعلى رأسها المرحوم الزعيم الحبيب بورقيبة في 18 جانفي سنة 1952 ، فقاد الاتحاد والثّورة المسّلحة ضدّ الاستعمار معا. ومن حسن حظ تونس، أنّ غياب الاتحاد على المشهد السياسي لم يطل فاللّجنة المركزية المنبثقة عن مؤتمر طبرقة أبرزت رجالا أثبتوا وجودهم وكفاءاتهم على السّاحة السياسية وحرصوا على أن يلعب الاتحاد دوره التاريخي بتّبني سياسة الحوار وفرضها على جميع الأحزاب وبذل أقصى الجهد لإنجاحها من خلال الرباعي الراعي للحوار.
ومن حسن حظّ تونس، أن يكون السيد حسين العباسي الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل صحبة الرباعي الرّاعي للحوار في مستوى اللّحظة التّاريخية لتصحيح مسار الثّورة والوصول بتونس مع حكومة الكفاءات إلى برّ الأمان. فالحكومة المنتظرة مدعوة، في بداية المرحلة الانتقالية الثالثة، أن تقوم بما لم تقم به الحكومات المتعاقبة من تاريخ الثورة وهو تجسيم التضامن الفعلي بين فئات الشّعب والجهات، ودفع الجميع نحو العمل والاستثمار والانتاج بدل المطلبية، وتطبيق القانون بكلّ حزم لإرجاع هيبة الدولة والحفاظ عليها والتّوقي من العنف والإرهاب.
فالشباب العاطل والباحث عن الشّغل الذي يعدّ بمئات الآلاف هو صاحب الأولوية المطلقة في التّشغيل ليؤمّن لقمة العيش كما الجهات المهمشة لها الأولوية في التّنمية.
فالواجب الوطني يفرض اليوم على الجميع ترك الحسابات والمزايدات والمصالح الضيّقة لرفع التحّديات وذلك لا يكون إلا بالتّضحية وشدّ الأحزمة وتحمّل الحرمان والتخّلي عن الإعتصامات العشوائية والمطلبية المجحفة والتّحلي بالصبر في كنف التّضامن بين كل الفئات.
 ولذا المطلوب من الحكومة،  الجديدة أن تصارح الشعب بحقيقة الواقع الصّعب وكلّ الحقيقة، على ما يتربص البلاد من مخاطر عسى أن تجعل حدّا  لعقلية النّهم والتواكل واللاّمبالاة وتدفع بالجميع إلى العمل الجّاد.
كما المطلوب اتّخاذ قرارات جريئة تبعث بها رسالة أمل وطمأنة وتضامن إلى الجهات المهّمشة والفئات التّي تشكو من البطالة والحرمان وتتّمثل هذه القرارات في إعطاء الأولوية المطلقة لهؤلاء وإشعارهم أنّ الحكومة والشعب إلى جانبهم وليس بالخطاب فقط كما هو الشأن إلى حدّ الآن، بل بالفعل. 
أليس من باب العدل وطمأنة الفئات المسحوقة بأن تدعو الحكومة المحظوظين، أي الميسورين من أصحاب رؤوس الأموال وكلّ من لهم شغل ودخل قار، أن يساهموا، إلى جانب المجهود الذّي تبذله الدّولة بالإعتماد على القروض لتوفير الإمكانيات الضرورية لمواجهة الفقر والبطالة وايجاد الآليات لتحقيق ذلك؟؟
وفي هذا الإجراء إنصاف لمن ضّحوا بالدّم للإطاحة بنظام الاستبداد بأن يجدوا المساندة ممّن لم ينلهم شرف المشاركة في هذه الثورة.
 و من الطبيعي أن يتحمّل من استفاد من هذه الثورة نصيبه من التّضحية، فإن لم يدفع ضريبة الدّم، فعليه أن يساهم على الأقل بضريبة المال وهذا أضعف الإيمان.
فالثورة ليست فرصة لطلب الحقوق بقدر ماهي فرصة للقيام بالعديد من الواجبات إزاء الوطن وإزاء المحرومين وعلى مسؤولي المنّظمات والأحزاب التّفهم لهذه المعاني ولطبيعة المرحلة فالحراك الاجتماعي هو مكسب من مكاسب الثورة، ولكن يجب ألاّ يؤول إلى اعتصامات عشوائية ومطلبية مجحفة وشغب متواصل. فالزيادة في الأجور لا ترفع من مستوى عيش المواطن إذا لم تكن مشفوعة بالزّيادة في الانتاج والإنتاجية وتعميق الشعور بالتّضامن بين الفئات الاجتماعية والمؤسسات العامة والخاصّة من شأنه أن يخفف الاحتقان والشعور بالضّيم ويوّفر الأمن الاجتماعي ويشّجع على الاستثمار وتوفير الشغل. فهل من آليات لتفعيل هذا الشعور الوطني بالتضامن وترجمته إلى مساهمات مالية تتبّرع بها الفئات الميسورة لتمويل مشاريع تشغيلّية لفائدة الفئات المسحوقة.
فإذا كانت إحدى الآليات بعث صندوق للتضامن والتّنمية يموّل عن طواعية من طرف المحظوظين والميسورين، فيكون له الأولوية القصوى على مختلف الصناديق الأخرى .
ولا يمكن اعتبار هذه المساهمات من باب الصدقة، بل هي من باب واجب التضامن إزاء من أهدونا ثورة التحّرر والانعتاق . ولها تأثير معنوي كبير في نفوس العاطلين المحرومين ، فتهدأ نفوسهم ويقوى فيهم الإحساس بأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة الخصاصة، ويتعمّق فيهم شعور المواطنة والغيرة على أمن البلاد وينزع عنهم شعور الغبن والتهميش واللامبالات إزائهم .
هذا ما لم يحصل من كلّ الحكومات التّي جاءت بعد الثورة، فلم تراع هذا الجانب النّفسي والمعنوي للحراك الثوري وهو ما يفّسر، إلى جانب العديد من العوامل الأخرى، انحراف المسار الثّوري وأصبحت تونس اليّوم على قاب قوسين من الإفلاس وأضاعت الأحزاب الوقت الثّمين الذّي أدّى إلى إضاعة  جلّ مكتسبات الثورة التّي أذهلت العالم وحضيت بالعطف والمساندة من كل الدّول وتحصّلت على تمويلات ما كانت تخطر على بال، فأضاعتها الحكومات المتّتالية والمنتظر من حكومة الكفاءات أن تتّبنى هذا المقترح الرّامي إلى تجسيم شعور التّضامن والمواطنة لعلّه يحدث الرّجة النّفسية التّي تطمئن العاطلين والمحرومين وتفتح أمامهم الأمل في المستقبل حتّى يتّحلوا بالصّبر ، وتضع حدّا للمطلبية المشّطة والإعتصامات، التّي من شأنها أن تعطّل مشروعها لانقاذ البلاد وتقي تونس من ثورة ثانية التّي ستكون هذه المرّة لا قدّر الله ثورة العاطلين والجياّع.
تونس في 23/01/2014
                                    
 الأستاذ عبد السلام القلال
محام
                                   مناضل دستوري خلال خمسينات
                                     وستينات القرن العشرين
       

         

الأحد، 19 يناير 2014

نص الدستوري المصري

        نص الدستور المصري
 الثلاثاء، 10 ديسمبر، 2013
أنهت لجنة الخمسين التي ضمت سياسيين وخبراء قانون دستوري من صياغة الدستور المصري الجديد تعويضا لدستور 2012، الذي كان الرئيس المصري السابق الدكتور محمد مرسي قد تولى تغييره بموجب إعلان دستوري تولى سنه هو ومجموعة من أنصاره.
وكان الدكتور عمرو موسى وزير خارجية مصر السبق والأمين العام السابق للجامعة العربية هو الذي ترأس جلسات لجنة الخمسين (50 عضوا) ، واستغرق إعداد هذا الدستور بين 3 و4 أشهر، وانتهت إلى المصادقة عليه، في انتظار عرضه على الاستفتاء.

يرجى نقل العنوان أعلاه إلى المكان المخصص باستعمال الإنترنت للحصول على النص الدستوري المصري الجديد بعد النقر عليه وهو في موضعه كأي عنوان يراد  الدخول بواسطته إلى موقع معين وشكرا

الاثنين، 6 يناير 2014

الصباح 3: من الأرشيف الشخصي (مارس 2010)

من أرشيفي الشخصي
الصباح 3
تونس/الوسط/ 04/01/2014
بعد أن استعرضنا المقالات التي صدرت للصحفي عبداللطيف الفراتي في شهري جانفي وفيفري 2010، على إثر عودته لمجرد الكتابة في الصحيفة التي كان عمل بها 41 سنة ، قبل أن يطرد منها شر طردة في الغالب بأوامر حكومية لغضب من السلطة من كتاباته، ننشر في ما يلي مجموعة مقالات أخرى صدرت للكاتب في شهر مارس 2010.
وفي هذا الصدد فلعله للمرء أن يذكر في معرض هذاه المقدمة ما جاء بقلم الدكتور عبد السلام المسدي أستاذ اللسانيات في كلية الآداب بمنوبة في كتابه من جراح الذاكرة في الصفحة 144:" وستجلو الأيام دهاء النظام السياسي وجبروت مكره حين يرفض رئيس التحرير (.....) عبد اللطيف الفراتي ، ويقاوم التسخير ، وهو الإعلامي الذي وفق في سن نهج نقدي مشرف".
ولعله للمرء أن يذكر أيضا ما كتبه أحمد القديدي في كتابه :"" ذكرياتي من السلطة إلى المنفى":" فوجئنا بافتتاحية جريدة الصباح ليوم 8 آذار مارس 1988 طالب فيها الصحفي الوطني عبد اللطيف الفراتي بشجاعة بعودة محمد مزالي وطي صفحة الماضي، في ظروف تحفظ كرامته وقال: إن ذلك أصلح لتكون تونس لكل التونسيين".
ويضيف أحمد القديدي في كتابه:" حركة جريئة من صحفي مثقف وشهم ظل في نظرنا مثالا للاحترافية الخالصة المصحوبة بفضيلة الاختيار الوطني لكن تلك الافتتاحية كانت الأخيرة لعبد اللطيف الفراتي(...) وبعدها أطبق الصمت".
إلى هنا ينتهي كلام الدكتور أحمد القديدي  وما أود أن أقوله بالمناسبة، أنه ليس صحيحا أن موضوع محمد مزالي أغلق، بل استمر الدفاع عنه وعن بقية المغتربين المنفيين على مدى أشهر وحتى سنوات، وأنا أعرف عما اتحدث عنه لأني كنت أيامها رئيس التحرير والمسؤول التحريري الأول في الجريدة حتى الإقالة في أواخر أفريل 1993 .
والتقاليد الصحفية تقتضي أن لا تكتب افتتاحية كل يوم عن شخص معين وفي نفس الموضوع، ولو كان محمد مزالي الذي حاق به ظلم كبير منذ صائفة 1986، وليس مهما أنه أقيل من رئاسة الوزراء بل المهم أنه تعرض لاضطهاد كبير، أهله لأن يكون محل اهتمام ودفاع.
وعند إقالته كان محمد مزالي محل مهاجمة قوية ولا أخلاقية من قبل الصحف، حتى تلك التي كان يسندها ، واشتدت حملة الكذب بشأنه، وأسبغت عليه أرذل النعوت، ولم تنخرط جريدة الصباح في جوقة الهجائين الذين كانوا يسبحون بحمده بكرة وأصيلا عندما كان يتربع على كرسي السلطة في القصبة.
ويعود الفضل في مقاومة هذه الحملة وعدم السقوط في السباب والشتائم ، إلى ميثاق شرف ارتضاه مدير الدار الرئيس المدير العام الحبيب شيخ روحه،وكان عبد الجليل دمق وأنا شخصيا الأكثر حرصا على العمل به.
فقد تقرر أن لا تساير الجريدة هذا التيار المنحط ، وأن لا تهاجم الرجل، وتكيل له اتهامات لا تقوم على أساس والتي كانت مفتعلة.
وعند محاكمة المختار مزالي ابن رئيس الوزراء السابق وقتها بتهم كيدية لا تستقيم، حرصت الجريدة على أن تنشر على عادتها كل وقائع المحاكمة كعادتها في تغطية المحاكمات السياسية، وقد أبرزت تلك التغطية زيف التهم الموجهة، وأبرزت أنها محاكمة كيدية لا تستند لأي أساس قانوني ، ولا تتوفر فيها مقومات المحاكمة العادلة، وعندما زرت محمد مزالي في بيته بعد أسبوع من إقالته ( كان ذلك مغامرة أيامها)وكانت حراسة شديدة مضروبة على البيت ، عبر لي أنه أخذ في خاطره من كل الذين كانوا حوله كما النحل أيام كان وزيرا أولا ، ولم يتلفن له أحد بعد ما سحبت منه الصفة، وذكر وقتها بتأثر شديد محمود المستيري وكان كاتب دولة للخارجية الذي لا أذكر إن كان قال إنه زاره أو تلفن له معبرا عن تضامنه، وكنت واحدا من القلائل الذين زاروه في تلك الأيام التي كان يحتاج فيها لمن يشد أزره، ولقد تأثرت لأمرين اثنين:
أولهما: تلك الجولة في بيته وهو بالقياس لغيره من البيوت متواضع إلى حد ما وكنت لاحقا حضرت فيه عدة حفلات أعراس بعد أن تحول إلى ناد للقضاة، وكان كلما دخلنا غرفة إلا وأشار للسقف ملاحظا هل رأيت القبة التي تكلفت 50 مليونا من أموال الدولة، وفق ما ذكرت إحدى الصحف مما كانت محسوبة عليه ، قبل سقوطه ، وطبعا لم تكن هناك قبة ولا هم يحزنون.
وثانيهما: كان تلك النبرة الحزينة وهو يقول لي : لقد ذهبت فتحية (زوجته) حاملة رغيفا وعبوة حليب (كانت أيامها في شكل هرم) إلى ابنها المختار، في مكان إيقافه، فردوها ولم يقبلوا ما أتت به، و سألني : أين أنتم يا جماعة حقوق الإنسان، الذين كنتم كل يوم تتصلون بي لقضاء شأن ولم أكن أيامها ضمن الهيئة المديرة ولكني كنت معروفا بنشاطي الحقوقي، عند خروجي من عنده خاطبت الدكتور الدالي الجازي نائب رئيس الرابطة (الوزير لاحقا)، فاتصل ثم عاد إلي لينبئني بان الإشكال قد تم حله، وأن السيدة فتحية مزالي يمكن أن تأخذ الغذاء لابن السيد محمد مزالي، وبدوري أعلمت السيد محمد مزالي تليفونيا، ولم أتابع المسألة بعد ذلك.
وفي عودة لكتاب الدكتور أحمد القديدي فإنه ذكر في آخر كتابه :" في تشرين الأول أكتوبر 1990 شارك محمد مزالي في مؤتمر مساندة الشعب الكويتي الذي انعقد في جدة ، وقابل بعض التونسيين (....) وقال لي مزالي لم أحترم منهم سوى عبد اللطيف الفراتي".
وبالمناسبة كانت لي قصة مع مزالي، فبعد صداقة وطيدة معه ، انقلب ضدي خلال فترة رئاسته للحكومة ، وذلك نتيجة كتابات نقدية لم يستسغها ، واعتبرها مني انقلابا ضده ، وارتماء في أحضان من كانوا يناصبونه العداء حتى لا يصل إلى مرغوبه أي رئاسة الجمهورية.
بعد 7 نوفمبر توليت كتابة عدة مقالات لفائدة المنفيين وهو من بينهم، في وقت سكتت فيه أغلب الصحف، وما كان منه إلا أن فهم متأخرا أنه لم يكن عادلا في معاملتي خلال فترة حكمه، ولذلك وبعد زيارة الرئيس بن علي الرسمية إلى باريس وكنت ضمن الوفد الصحفي المرافق للرئيس الذي التقاني على انفراد على مائدة فطور الصباح في حضور وزير الداخلية آنذاك الحبيب عمار ، وطبيبه الخاص محمد قديش وهو واحد من ألطف ما عرفت في حياتي، والهادي التريكي وهو صحفي ، وبلوغ ذلك لعلم محمد مزالي ، جاءني في أحد الأيام من شهر أكتوبر 1988 صديق مشترك هو محمد بن إسماعيل، وكان أستاذا في السوربون، وجمع قاموسا للكلمات الفرنسية من أصل عربي وشغل مديرا لديوان الدكتور عمر الشاذلي أيام تعيينه وزيرا للتربية والتعليم في 1986 ،وقال لي إن سي محمد يلومك لأنك أتيت لباريس ولم تقم بزيارته، وكانت اتصالاتي التليفونية مع الوزير الأول الأسبق لا تنقطع  أيام كنت اكتب عن محنة المغتربين، طلبت من الصديق المشترك أن يبلغ سي محمد تحياتي ، وأضفت لو كنت ضمن وفد صحفي يقوده محمد مزالي إلى أحد البلدان، وهو ما لم يحدث طيلة وجوده في الحكم باعتبار موقفه مني، وذهبت لزيارة معارض له ماذا يكون موقفه مني، ولكني أعتبر أن حرصه على مقابلتي بمثابة دعوة منه، وفي أول فرصة تسنح لي للذهاب إلى باريس سأتولى زيارته.
وفعلا وبعد أسابيع قليلة سنحت الفرصة ، فقد قضيت 4 أو 5 أيام في عاصمة النور بمناسبة زيارة لي إلى مسقط، فخاطبت السيد محمد مزالي على هاتفه، وعبرت عن رغبتي في زيارته ، وفعلا هذا ما تم ورغم أنه وصف لي مكان شقته، فقد وجدت الوزير الأول في أعلى مدرج المترو في انتظاري ، صحبني إلى شقته الصغيرة، التي لا أذكر مكانها ، ولم تكن في فخامة شقة السيد محمد المصمودي في الدائرة السادسة عشر الفاخرة.
تولى إعداد قهوة لي بنفسه، وجلسنا معا في المطبخ، وحدثني رحمه الله ، عن العذابات التي شهدها، وعن التهديد بالاعدام الذي كان معرضا له، وسألني أن أذهب أو أكلف من يستجلي الأمر عند رئيس المحكمة ، وسيذكر في كتابه أني ذهبت واستجليت الأمر وتأكدت منه، وهذا غير صحيح فلم أذهب ولم أستجل، وكتبت إلى السيد محمد مزالي بذلك .
المهم أنا بدوري تحدثت عن الفترة التي تولى فيها الوزارة الأولى ، وكيف كانت معاملته لي، رغم صداقة عميقة سابقة، وأرجع ذلك التصرف إلى تأثير سيء لبعض مستشاريه، الذين كانوا يرون في كتاباتي مواقف معادية له، وانضماما لمن كانوا يتآمرون عليه، كان مفترضا أن أبقى معه نصف ساعة ، ولكن قضينا ساعتين بالتمام والكمال معا، وقلت له، عليه أن يستفيد من العرض الذي قدم له، والمتمثل في العودة والاعتراض على الحكم ثم يذهب إلى بيته سالما كما حصل مع الطاهر بلخوجة، فقال لي : المازري شقير دعاني لنفس الأمر فكدت أطرده من بيتي، وقفت قائلا : أخرج بمحض إرادتي قبل طردي، ولكنه وقف بدوره وأمسكني من ذراعي  وقال لي أنت لست نفس الشيء.
ولقد سنحت لي لاحقا مقابلة أخرى مع محمد مزالي بعد عودته إلى تونس في بيت إحدى بناته في رياض الأندلس بمحضر كل من محمد بلحاج عمر والمحامي الطاهر بوسمة، وأعدت على مسامعه لومي الشديد ، فقد كنت متأثرا جدا لمواقفه مني على مدة ست سنوات من حكمه وكانت قبل ذلك  تجمعنا صداقة كبيرة.
واليوم أقدر أن الحكم يفقد المرء ملكة التوازن، فمحمد مزالي كان مسكونا بهاجس الوصول للرئاسة، وكان يعتبر كل نقد لحكومته أو لتصرفاته، محاولة لإبعاده عن هدفه، وربما كان يرى في كتاباتي انتصارا لأعدائه الساعين لعدم وصوله لرئاسة البلاد، لا واجبا صحفيا تمسكت به طيلة حياتي المهنية. وما أعجبت أحدا من الحاكمين لا قبله ولا بعده.
وفي ما يلي مجموعة المقالات المنشورة في شهر مارس 2010 بعد عودتي للكتابة في الصحيفة التي تجري في دمي الصباح:

الكتاب والمطالعة
بقلم عبداللطيف الفراتي *

منذ اختراع غوتنبرغ للمطبعة في سنة 1447 ، انتشرت القراءة وانتشر الكتاب ، ولازمت القراءة طويلا المثقفين وحدهم في زمن كانت فيه الأمية سائدة، وإذ تحولت بلادنا على مدى 60 سنة من بلد تعشش فيه الأمية ، إلى بلد ذهب كل سكانه إلا القلة إلى المدارس ، ونهلوا كثيرا أو قليلا من مناهل العلم ، فقد ازدهرت المطالعة، وكانت في وقت ما الفرصةالوحيدة إما للثقافة أو لتعميق الثقافة، ثم حل التلفزيون فقضم من الوقت الذي كان مصروفا للمطالعة، وجاء بعد ذلك الإنترنت ، والفايس بوك فقضما أكثر.
فما هو وضع المطالعة في هذه الظروف ، وهل هي بخير ؟
من هنا جاء العزم على القيام باستشارة وطنية حول المطالعة للإحاطة بالأمر، وإنجاز قياس علمي ، وجاء ذلك بمبادرة من أعلى المستويات ، وتولت الأمر مؤسسة جادة في مجال الإتصال بالإستعانة بالخبراء في مادة استطلاعات الرأي.  
ويمكن اليوم وبالتفصيل العودة للموقع الذي خصص لتلك الإستشارة التي بدأت تظهر نتائجها، ومعرفتها بواقع المطالعة في بلادنا ،
وتدل المعطيات المتاحة أن المطالعة ليست في وضع بالسوء الذي كان متوقعا، ورغم أن النشر في بلادنا وفي العالم العربي ، ما زال يشكو من ضيق الأفق وقلة الإتساع إلى حدود كبيرة بالعودة للأرقام المتاحة عالميا ومقارناتها، فإنه يبدو أن المطالعة في وضع أفضل وإن لم يكن كما ينبغي له أن يكون.
وقد اعتمد الإستطلاع الذي جرى على عينة عشوائية من 1029 شخصا وفق حصص تمثيلية للجهات والجنسين والمستوى والعمر.
ويقول رضا النجار إن الإستطلاع ما هو إلا مظهر هام من مظاهر هذه الإستشارة التي تجري لأول مرة في تونس وربما في العالم العربي.
وقد تولت مؤسسة خاصة القيام بالإستطلاع لحساب وزارة الثقافة التي ستتولى تحليل النتائج واستخلاص الإستنتاجات في سبيل دفع القراءة، باعتبارها مظهرا حضاريا مهما ووسيلة فاعلة لنقل المعرفة والتعمق فيها.
وسوف لن نغوص كثيرا في المعلومات الكمية ، ولكن سنحاول الإستفادة منها لوضع بعض السطور تحتها.
ودل الإستطلاع على أن 22.74 في المائة لم يقرؤوا في حياتهم كتابا ، أي أن أكثر من 2.2 مليون شخص أو يزيدون لم يقرؤوا ، وإن كان هذا الرقم اعتباطيا لأن الإستطلاع لم يهم الأطفال الصغار.
إلا أن رقما آخر يبدوا إيجابيا وهو أن 77.26 في المائة قد سبق لهم قراءة كتاب، غير أن ما يحير أن 31.88 في المائة فقط طالعوا كتابا في سنة 2009.
وهذا يعني أن المطالعة ليست ظاهرة مستمرة ولا متواصلة وبالتالي ليست متأصلة، ولا نعرف إن كان الذين طالعوا قد كفوا عن المطالعة منذ وقت طويل أو قصير.
ولعل الظاهرة الأخرى ولعلها مرتبطة بنتائج الإمتحانات الوطنية وهو ما ينبغي تعميق النظر فيه يتمثل في أن الجنس الناعم يطالع أكثر من الرجال.
ودل الإستطلاع على النساء غير المطالعات واللائي لم يقرأن أبدا كتابا هو في مستوى أقل بقليل من 19 في المائة مقابل 26 في المائة للرجال .
أكثر من ذلك أن النساء طالعن في سنة 2009 بما يزيد نسبيا بالربع عن عدد الرجال.
كما يقيم الإستطلاع الدليل على أن الشباب أكثر قراءة وبالتالي فضولا من كبار السن ، وينحدر عدد المطالعين بتقدم السن.
ومن بين الذين يمارسون المطالعة فإن 60 في المائة يقرؤون أقل من 5 في السنة فيما 23 في المائة يقرؤون بين 6 و10 كتب سنويا. وبالطبع وكما هناك من لا يطالعون هناك من يطالع أكثر من 10 كتب سنويا وربما حتى أكثر بكثير.
أين يطالع التونسيون ؟
94 في المائة من المطالعين يطالعون في بيوتهم ولكن هناك 22 في المائة يطالعون في موقع العمل، وإذا كانت هذه المطالعة في العمل مرتبطة بطبيعة العمل فيا حبذا ، أما وهو الغالب وإذا كانت  غير مرتبطة بالعمل فتلك كارثة أخرى من كوارث إنتاجية العمل.
ولا تتجاوز المطالعة في الكلية أو المعهد 18 في المائة ، ولكن ولعل هذا هو الغريب فإن غالب رواد المكتبات يستعملون الفضاء المكتبي للمذاكرة ومراجعة الدروس في ظل هدوء المكتبات.
وبعكس ما نراه في الخارج من انتشار المطالعة في وسائل النقل كالقطار والحافلة والمترو ، فإن التونسيين الذين يفتحون كتابا في إحدى تلك الوسائل لا يتجاوز عددهم 3 في المائة.
ويفضل التونسيون النظر في بعضهم أو للطبيعة أو تجاذب أطراف الحديث عن قراءة كتاب.
وقد يتبادر للذهن السؤال : لماذا لا يقرأ المرء الكتاب ، لماذا لا يطالع؟
قرابة 58 في المائة (لايجدون الوقت) وقرابة 21 في المائة ( لم يتعودوا) و18 في المائة (لأنهم لا يحبون الكتاب) و18 في المائة لأن سعر الكتاب مرتفع.
ولا يعمر المكتبات العمومية سوى الربع من المستجوبين المطالعين أما البقية فلا يضعون أرجلهم في المكتبات العمومية.
والذي يطالعون يوميا لا يصل عددهم إلى 10 في المائة ممن يقرؤون الكتب، بينما الذين يطالعون مرة في الأسبوع يتجاوزون 46 في المائة.
ومن هنا يمكن للمرء أن يأخذ فكرة عن المطالعة في بلادنا ، ولكنها فكرة مرقمة تحتاج إلى تحليل ولعل مناسبة أخرى تحين للنظر في هذه الزاوية.
·       رئيس التحرير الأسبق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   


ليوم الأحد 14 مارس 2001
الزمن المدرسي
بقلم عبداللطيف الفراتي *

من شأن الأمم الحية أن تتناول كل مجالات حياتها بالإصلاح الدوري ، وخاصة في هذا الزمن المتميز بسرعة التطورات ، وتلاحق الجديد، وفي وقت بات فيه الإستقرار على حال مساو لجمود ، دافع للتقهقر ، فإن على الفرد والمجموعة أن يتأقلما مع أوضاع سريعة التحول، وبات ضروريا سواء للفرد أو للمجموعة أن يلاحقا المتغيرات السريعة، وإلا بقيا على هامش الحياة.
فقبل 20 أو ثلاثين سنة لم يقتحم حياتنا لا التليفون النقال ولا الفاكس ولا اللاقط الفضائي ولا الكومبيوتر ولا الإنترنت ولا غيرها.
وقد وصف خبير في البنك الدولي في دورة تدريبية حضرتها في واشنطن قبل  حوالي 16 سنة ، وصف الذين لا يحسنون التعامل مع الكومبيوتر والذين لا يتقنون التحادث والكتابة باللغة الإنقليزية ، بأنهم أميو القرن الواحد والعشرين.
ولعل التعليم بمختلف درجاته ، هو الأكثر حاجة للإصلاح الدوري المتواصل، وكنا نحن درسنا في كتب درس فيها وبها آباؤنا وحتى أجدادنا ، ولا ينبغي الإستغراب من تغيير الكتب كل ثلاث أو أربع سنوات حاليا ، فحجم المعارف ونوعيتها تتطور باستمرار، وملاحقة  تلك التطورات تتطلب تطوير المناهج التعليمية وبالتالي أدواتها، ولن يمر طويل وقت حتى يعوض الكتاب  والكراس لوح إليكتروني بذاكرة قوية ، وجامع لكل الإختصاصات وقادر على إدخال تحولاتها بالسرعة اللازمة وتحيينها، وهو لوح تجري عليه التمارين والإمتحانات ، وتبقى في الذاكرة، وله قدرة على التخزين تكفي لخزن كل شيء على مدى الدراسة أي أكثر من 20 سنة.
ولن يأتي وقت قريب حتى لا يحتاج التلميذ والطالب إلا لحمل هذه اللوحة فقط المربوطة بالإنترنت والتي لا يتجاوز وزنها بما في ذلك ذاكرتها وشاشتها وبطاريتها سوى 500 غرام إلى كيلوغرام واحد، وقد بدأ العمل بهذه اللوحات بصفة تجريبية في بعض البلدان بما فيها فرنسا.
كما لن يمر وقت طويل حتى تتعمم على مدارس كل العالم الذي يريد أن يكون في مستوى التطورات الحديثة وما يصحبها من توفير الفرصة للتلاميذ والطلبة لاكتساب أكبر حجم من المعارف.
وسوف لن يكون الزمن المدرسي أهمية كبرى وقتها، لأن كل مكان هو موقع للدراسة.
وفي انتظار ذلك فإن الزمن المدرسي ، يشكل قضية بالغة الأهمية تعالجها مختلف البلدان كل بطريقتها.
ولقد قامت في تونس دراسات عميقة للزمن المدرسي نشرت قطوف منها جريدة الأسبوعي في عددها الأخير.
وخصصت مساحة للحديث عن استنتاجات اللجنة المتخصصة ، وربما القرارات التي ستتخذ، للإستفادة القصوى من الوقت أو الزمن المخصص للتعلم واكتساب المعرفة.
ولعل الملامح الكبرى تتمثل في تقليص أيام العطل إلى 30 يوما بدلا عن أربعين يوما في السنة، وربما أيضا تقليص أيام الدراسة الأسبوعية من 6 أيام حاليا إلى 5 أيام ويومان عطلة بدل يوم واحد في الأسبوع.
ومن رأينا وقد انكببنا على هذا الموضوع في فترة ما ، أن هذه التوجهات تقع في صميم القرارات الواجب اتخاذها، ذلك أن نتائج التعليم مرتبطة بالفترة التي يقضيها التلميذ/ الطالب في التعلم ، وبالمقارنة مع البلدان الأكثر تقدما مثل الولايات المتحدة ذات التعليم الأكثر نجاعة في العالم أو اليابان أو ألمانيا أو إنجلترا ، فإن أبناءنا يقضون فترة أقل في التعلم تماما مثل فرنسا، حيث لا يمكن اتخاذها قدوة، وقد دلت عمليات ترتيب الجامعات في العالم أنها لا تتقدم الصفوف وأن تعليمها العالي وهو نتاج مراحل التعليم الأدنى يأتي في مراتب متأخرة نسبيا وراء البلدان التي ذكرنا ولكن أيضا وراء إيطاليا وسويسرا والبلدان الإسكاندينافية وإسبانيا وغيرها كثير ، وأول جامعة فرنسية في الترتيب تأتي في المرتبة 43 من 500 فيما العشرون الأوائل تقريبا أمريكية تليها الجامعات البريطانية وغيرها من الجامعات من البلدان التي ذكرنا.
ولعل أحد أهم القرارات التي سكتت عنها الجهات التي تدرس الزمن المدرسي متمثلة في أمرين اثنين:
1)  ضرورة المرور من نظام الدراسة الثلاثية أي التي تعتمد الثلاثيات إلى نظام الدراسة الذي يقسم السنة إلى قسمين أي إلى سداسيتين بدل ثلاث ثلاثيات.
وإذ حصل هذا في تعليمنا العالي كما هو الشأن في التعليم العالي الفرنسي، فنحن ما زلنا وراء القافلة الفرنسية ، ومن يتبعها، وهو أمر من الضروري إعادة النظر فيه واعتماد السداسيات ، وسنرى أنه الأجدى في تقليص فترات العطلات ، وأيضا الوقت المصروف في الإمتحانات وهي التي تستهدف تقييم المكتسبات العلمية لا غير ذلك. وبدورياتها المتسارعة فإنها تأخذ الكثير من الوقت على حساب اكتساب المعرفة.
2)  ضرورة المرور إلى الحصة المستمرة، ولست أدري إن كان النظام الأمريكي أو الإسكاندينافي سيئان أم ماذا ، عندما يقال إن مثل هذا النظام سيء بيداغوجيا أم إن قدرة أبنائنا على الإستيعاب أقل من قدرة الأطفال والشبان  الأمريكيين أو السويديين.
وشد التلميذ إلى المدرسة على مدى ست ساعات في اليوم هو إلى جانب فوائده البيداغوجية على أساس التناوب بين الحصص التفكيرية والحصص الترفيهية  كفيل بالتفاعل مع تطورات المجتمع بعد خروج المرأة الأم  للعمل ، وطول المسافات ، وعدم الإطمئنان  من مفاجآت الطريق في وقت أصبحت فيه السيارة هي مالكة الشارع.
ولعله لا يمكن استيفاء هذا الأمر في هذا الموضوع القصير ولعله يستحق تحقيقا مطولا مدعما خاصة بالبراهين والمقارنات.
·       رئيس التحرير الأسبق
















ليوم الخميس 18 مارس

السباق الدولي المقبل
بقلم عبداللطيف الفراتي *

سباق المستقبل لن يكون في الإنتاج المادي بل في التعليم، ومن يأخذ بناصية التعليم يأخذ بناصية التقدم الفعلي والرفاهية والرخاء، لأن الثروة مستقبلا هي التي ينتجها العقل هي ثروة المعرفة.
وإذ هناك بلدان ليس لها إلا أن تواصل مسارها بتعليم مرتفع المستوى والولايات المتحدة في مقدمة المقدمات فهي الحائزة في كل ترتيب على قصب السبق وبعيدا جدا عن ملاحقيها ، فإن بلدان أخرى تشكو من تدني المستويات التعليمية ، بحيث لا تقوم بتخريج الكوادر من ذوي الكفاءات العالية الذين يشكلون قاعدة الإنتاج ونجاعة العمل وإنتاجية الجهد.
وإني لأذكر ما قاله لنا الإطار المكلف بالديسك التونسي وكنا مجموعة من التونسيين في دورة تدريبية في البنك الدولي بواشنطن  في حدود سنة 1996 ، إن من حظكم في تونس أنكم تتمتعون بمستوى تعليمي طيب ، ولكن عليكم أن تحافظوا عليه ، فلا تسقطوا إلى مستويات مثل تلك التي نراها في بلدان أخرى وذكر باكستان كمثال.
وكانت تونس قد اهتمت بالتعليم منذ خطواتها الأولى كدولة مستقلة فأفردت له ميزانية فوق ما تقدر عليه، واقتطعت من "الخبز" اليومي لتنفق على التعليم، وكانت في وقت ما تخصص من ناتجها الخام أعلى نسبة في العالم الثالث لتعليم ناشئتها.
وقد أعطت هذه السياسات أكلها، فوفرت البلاد كوادر عالية المستوى ، يدل على ذلك مدى الطلب عليهم في البلدان المتقدمة وهو بقدر ما يزيد من فخرنا ، بقدر ما يؤسفنا ما تشهده بلادنا من نزيف للطاقات والقدرات والكفاءات العالية.
وإذ إن السنوات المقبلة ستشهد وتدريجيا تناقصا ملحوظا في شرائح عمرية معينة، تبدأ من الإبتدائي وتستمر مع الإعدادي والثانوي وتستقر في العالي ، نتيجة ما سبق لنا أن توقفنا عنده من احتمالات التصحر الديمغرافي ، ومن استقرار ثم تناقص في عدد السكان بعد وقت ليس بالبعيد ومتوقع في زمن منظور، فإن علينا أمام انخفاض عدد المتمدرسين للأسباب الديمغرافية  أن لا نستريح للأمر أو نفكر مطلقا في تقليص الموازنات الخاصة بالتعليم ، أو النسبة المخصصة من الناتج الداخلي الخام للعملية الدراسية باعتبار التناقص المنتظر في عدد الدارسين.
بل على العكس فإن علينا أن نزيد من شد الأحزمة ، لتوفير ما نضيفه للعملية التعليمية من موارد ورصود وتمويلات ، ضرورية ليس للحفاظ على مستوياتنا التعليمية التي تراجعت شيئا ما أمام الكم الهائل من المتعلمين والذي وصل إلى أقصى حدوده ، بل للعمل على ترفيع مستوى تعليمنا، عبر زيادة مخصصاته أو على الأقل الحفاظ عليها دون تنقيص رغم التراجع المحتمل بل ويقول البعض المؤكد في عدد المتمدرسين.
إن ارتفاع مستويات التعليم، والإهتمام بالكيف والنوعية ، ليس أمرا مقدرا أو رهين الصدفة بل هو نتاج سياسات معينة لا بد من إتباعها وتخطيط مراحلها، عبر قرارات معلومة للمختصين ، من تقليص الكثافة وإعادة تنظيم الزمن المدرسي والإستفادة من كل الخبرات المتاحة، وزيادة التأطير، وغيرها مرورا بتحسين المناهج والكتب المدرسية ، وربما غدا ،، أي غدا فعلا  اللجوء لاستعمال اللوحات الإليكترونية التي بدأ العمل بها في بعض البلدان والتي لا بد أن نحاول الإحاطة بمزاياها الكبيرة التي يتحدثون عنها.
وتونس التي عرفت على مدى سنوات بعد الإستقلال بمستوياتها التعليمية الراقية إضافة إلى نجاحها الكمي في العملية المدرسية ، لقادرة على أن تساير أكثر الأمم قدرة على إفراز تعليم في قمة النجاعة.
ولكم شعرت بالفخر منذ أيام ، وجاري في الطائرة يرى فتاة مغاربية في مقتبل العمر وهي تطلب منه كتابة وثيقة الدخول إلى مطار مغاربي وليكتشف أنها على صغر سنها وجمالها وأناقتها لم تتح لها فرصة التعلم. وهذا مستحيل الحدوث اليوم في تونس.
ولكن فلا سبيل إلى أن ننام على منجزاتنا ونضعها كوسادات لنا   ننام عليها ونغط في نوم عميق، فالعالم من حولنا يعج بالبحث عن سبل تحقيق عملية تعليمية في قمة المستوى ، ودول الخليج مثلا تلك التي كانت تستورد كوادرنا ، حققت تقريبا اكتفاءها الذاتي واليوم فإن أكثر من 50 ألفا من أبناء تلك المنطقة يدرسون في مستويات جامعية عالية في أمريكا وإنجلترا وحتى فرنسا وألمانيا واليابان وغيرها ، إضافة إلى السياسات المتبعة في فتح أبواب أسمى الجامعات الأمريكية و الأوروبية وأعلاها مستوى لفروع لها في تلك البلدان ، واستقدام أفضل المدرسين لا كأساتذة زائرين ولكن كأساتذة مستقرين، لأن الجامعات ليست محلات للتدريس  فقط ، بل مناخ علمي لا يتوفر إلا باستقرار الأساتذة للإحاطة بطلبتهم حيث الطلبة، وللقيام بالبحوث التي لا يمكن فصلها عن عملية التعليم العالي.

·       رئيس التحرير الأسبق




لقد بلغت تعقيدات الحياة ذروتها القصوى، ومن شخص يوفر لنفسه كل حاجياته  في بدء الخليقة ، قبل أن تنتظم حياة اجتماعية في أول مظاهرها. إلى مجتمعات ما بعد البدائية ، حيث عرف الناس حياة جماعية فيها تخصص، لتوفير كل احتياجات الجماعة ، إلى اليوم الذي بلغ فيه الأمر شيءا من التخصص أصبح يقف المرء أمامه حائرا، ولكنه يدرك أيضا أن المجتمع لم يعد يستطيع  أن يرى أفراده في عزلة بعضهم عن البعض، فكل واحد منهم كالتروس في الماكينة التي لكل منها دورها ولا يستقيم أمر بدونها.
قادني إلى هذه المقدمة ، ما لحظته في مؤسسة القضاء وأيضا في غيرها من المؤسسات  ، لا في بلادنا بل في كل بلدان العالم ،  ـ حيث يقوم قضاء جدي أكاد أقول لا ينطق عن الهوى ،ـ  من استناد في القرارات وحتى في تقدم الأبحاث على مجموعات أحيانا كبيرة من المتخصصين.
ولقد مر وقت كان فيه القضاة يجلسون للفصل بين الناس فرادى ، غير مسلحين إلا بما يطمئن إليه ضميرهم. غالبا بلا نصوص مكتوبة سلفا، ولا قواعد مضبوطة مقدما.
غير أن الحياة لم تعد بتلك البساطة التي تسمح باستمرار ذلك.
ولقد قرأت منذ حين  غير بعيد تساؤلا وقفت عنده طويلا متأملا  ، وأود أن أتقاسمها أي تلك التساؤلات  مع السادة القراء، طارحا نقاط الإستفهام الواجب طرحها في مثل هذه الأحوال.
هل إن القاضي في عصرنا هذا في بلادنا وفي غير بلادنا، وهو يجلس للقضاء بين الناس قادر وحده وبمفرده على إصدار أحكام يطمئن إليها.؟
 أم إنه يحتاج إلى كوادر مساعدة، تنير له الطريق.
يبدو الأمر صعبا جدا، وقد أصابه تعقيد الحياة العصرية .
ولذلك فقد بات القاضي "يستعين" كل يوم بجيوش من "الخبراء " وفي كل الميادين ليضيؤوا له طريقه، ويساعدونه على اتخاذ قراره وإصدار حكمه.
في القضايا الجزائية مثلا، من قتل من ،؟ وهل هذه الآثار على الجثة تحمل جينات هذا الفرد المتهم أم لا ؟ ثم هذا ابن هذا أم لا؟ وتلك كانت عذراء ليلة الدخلة أم لا كما طالعنا في إحدى الصحف في الأيام الأخيرة.
الطبيب عامة ، والطبيب الشرعي خاصة، وأحيانا الطبيب النفساني ، كل موكول إليه مهمة ، يكلفه بها القاضي ، وهي التي تنير له طريق الحكم والبت، وإذا ذهبنا إلى بعيد ، فهل إن القاضي هو الذي يحكم ، أم إنه يحكم وفق ما يقول الخبير، وتبعا لذلك وبصورة  أوضح  فما هو دور الخبير ، وهو بعلمه المحدد في مجالات معينة فهو الذي يكيف القرار وإن لم يعد إليه فإن له قسط منه .
والأمر لا يهم فقط ما يصيب الأشخاص ، بل كذلك ما يصيب الممتلكات، فتقدير الأضرار التي تدفعها شركات التأمين ويحكم بها القاضي مثال حي ، كما وإن تقديرات أخرى يحددها الخبير تصبح بمثابة العنصر الضروري للإنتهاء إلى قرار..
هذا ليس خاصا ببلادنا أو بأي مصر من الأمصار، ولكنه بات اليوم الظاهرة العامة.
فالقاضي لا يمكن له اليوم أن يكون إخصائيا طبيا  ، وفوق ذلك متعدد الإختصاصات ،وفي بعض الأحيان في اختصاصات دقيقة لا يقدر عليها إلا طبيب حامل لاختصاص معين، وبالتالي تستعين به عدالة أكثر فأكثر تعقيدا.
 كما لا يمكنه أن يكون إخصائيا في الميكانيك أو في الإنتاج الفلاحي على تنوع مجالاته، ولا في الإنتاج الصناعي أو الخدمي.
و من هنا يأتي السؤال ، هل إن القاضي هو الطرف الحاسم  الذي يصدر الأحكام فعلا ، بمفرده أو بمشاركة من ينير له الطريق.
والجواب نعم بالتأكيد، ولكنه لم يعد ممكنا تصور أحكام دون استنارة بآراء الخبراء في بعض الميادين أو جلها على الأصح.
إن الأحكام تصدر باسم رئيس الجمهورية بالصورة التي تجعلها نافدة ، ولكن الذين يشاركون في صياغتها أو إعداد فصولها الأولية  ليسوا بالقلائل ، ولا يلعبون دورا ثانويا.
وهؤلاء إذ يتركون للقاضي مسألة التكييف القانوني وإعطاء الصبغة القانونية للأحكام  وهو الأمر الطبيعي ، فلا شك أن الحياة أصبحت تتطلب تعاونا أكثر من جهة ، دون أن يقلل ذلك لا من أهمية القاضي ولا من دوره.
فهو ـ أي القاضي ـ الذي يتعهد بالقضية المطروحة عليه، هو الذي يكلف الخبراء الذين يعتمد على خبرتهم ، ويحدد إطار التقارير التي يكتبونها، ويسلمونها للمحكمة فيكون لها تأثير على الأحكام وطبيعتها.
وإذ تعرضنا إلى القضاء، فهو ليس المجال الوحيد الذي يستنير بآراء الخبراء بل المجالات كثيرة جدا، وتسير الحياة اليوم على نمط من التداخل الذي بدونه لم يعد ممكنا تصور قرارات وفي أي مستوى سياسي كان أو اقتصادي أو قضائي أو ثقافي أو اجتماعي، ففي الإستشارة الوطنية  الأخيرة حول المطالعة ، تمت تعبئة خبراء في استطلاع الرأي، وآخرون في الإعلامية ، ونوع ثالث في الإحصائيات إلى آخره، وهو ما يدل على ما أصاب الحياة عامة من مظاهر لا فقط الإختلاف بل التعقيد الشديد، وما أصبحت تحتاج إليه من تكاتف جهود متنوعة .
رئيس التحرير الأسبق








حتى متى؟
بقلم عبد اللطيف الفراتي


الكومبيوترات التي تعج بها الأسواق بما   منها تسمى مكتبية ، وما تسمى محمولة ، وما تسمى ميني أو متناهية في الصغر ، إما أنها مستوردة أو هي مجمعة مركبة في البلاد، وكذلك لوحات المفاتيح الضرورية مهما كان صنف الكومبيوتر.
غير أن لوحات المفاتيح وسواء كانت مدمجة في الكومبيوتر، أومنفصلة عنه، كانت في الغالب الأعم تحمل الأحرف اللاتينية، والنتيجة أن مستعمل الكومبيوتر عليه أن يشتري جهازا وتوابعه غير معربة شكلا، وهي في العمق ومهما كان نوع البرمجة، تحمل النسخة العربية ، سواء كانت مصنوعة في الولايات المتحدة وذلك هو الأغلب العظم ، أو في أوروبا.
والكومبيوتر نظريا عنصران :
العنصر الأول هو الجهاز( الهردوار)
العنصر الثاني وهو الأكبر أهمية فهو البرمجة التي يحتويها ، ( السوفتوار).
والعنصر الأول على قلة أهميته النسبية ، هو مقصدنا، ولقد قمنا على سبيل التجربة ( بتقليب أعداد مهمة ) من الكومبيوترات ، ولاحظنا في الغالب المهم ، أن المفاتيح تحمل الأحرف اللاتينية فقط، وعندما لاحظنا ذلك للبائعين ، كان الجواب موحدا دوما، وهو أنه يسهل بمقابل حوالي 30 دينارا ، طبع الأحرف باللغة العربية على  لوحة المفاتيح ، أو لصق أحرف شفافة على تلك المفاتيح فقط بخمسة دنانير ، وهي أحرف تباع في كل مكان.
ولكن السؤال الملح ، وما دمنا نورد أو نركب هذه اللوحات ، فلماذا لا يكون من قبل الإدارة شرط وجوبي سواء للموردين أو الصانعين ، بضرورة أن تكون الأحرف العربية مرسومة على كل مفتاح وفق الأماكن المحددة لها في البرمجيات، وبالمناسبة فهناك سؤال يطرح ، هل تجد في السوق الألمانية لوحة مفاتيح ليس مرسوما عليه أحرف اللغة الألمانية، التي تختلف شيئا ما عن الأحرف اللاتينية التي نتعامل بها والمتماثلة تقريبا في اللغة الفرنسية واللغة الإنقليزية.
إن على الإدارة التونسية احتراما من جهة للغة البلاد، التي هي لغة الدستور ، واللغة المستعملة في الإدارة العمومية وفي المعاملات اليومية أن تفرض وضع الأحرف العربية ، على كل ما يباع من كومبيوترات أو لوحات مفاتيح تسوق في البلاد.
وإلا فما المانع من أن تباع لوحات مفاتيح عذراء من كل كتابة ليس عليها لا أحرف بالأحرف اللاتينية ولا بالأحرف العربية.
ثم هل نتخيل أن تباع في الصين لوحات مفاتيح خالية من  الأحرف الصينية رغم تعقيدها أو الأحرف اليابانية في اليابان ، أو الأحرف السكاندانافية في كل بلدان الشمال؟
ولقد انتبهت في آخر زيارة لي للمغرب قبل شهر تقريبا ، فلم أر لوحة مفاتيح واحدة بدون الأحرف العربية، قد لا أكون رأيت كل ما يعرض ، ولكن وفي معرض الكتاب في الدار البيضاء ، وجدت زحمة من الكومبيوترات وتوابعها ولم أر واحدا خاليا من أحرف لغة البلاد.
قبل بضع سنوات ، وبمناسبة شرائي لأول كمبيوتر محمول في حياتي ، من مؤسسة "محترمة" ولم يكن مجهزا بالأحرف باللغة العربية، طلبت أن تحفر عليه هذه الأحرف ، وبعد دفع الثمن تركته على ذمة وصل سلم لي ، وطبعا وبعد دفع ثمن هذه الإضافة، ولا أذكر كم كان وقتها، وبعد أيام وعند استلامي للكومبيوتر، لاحظت بمناسبة أول استعمال أن حرف السين s  لا يظهر لا على الشاشة ، ولا على ورق الطابعة، وعدت بالكومبيوتر إلى البائع، ولكنه رفض الإعتراف بأي خطأ من جهته  وقال لي إن الحفر على اللوحة على مسؤوليتي وذلك بعد ذهاب وإياب ، وعد غدا وعد بعد غد، ولما كان الثمن المدفوع وقتها لا يقل عن 3 آلاف دينار دفعتها نقدا ومعجلا، فلقد توجهت إلى كل الجهات وأخيرا ، نعتوني على جمعية حماية المستهلك، وكانت على أقصى درجة من الجدوى والنجاعة، فهم يعرفون القانون جيدا ، ولم يمر أسبوع حتى عوضوا لي الكومبيوتر بآخر تشتغل كل حروفه ، وبقي معي سنوات إلى أن احترقت بطاقته الأم كما يقولون ، وكان أرخص لي أن أشتري كومبيوتر محمول جديد من أن أجري وراء كمبيوتر تجاوزته الأحداث وقلت قطع غياره وبقيت أسعارها في السماء.




الإنتخابات العراقية
 عبداللطيف الفراتي
طالت مدة انتظار الإعلان عن نتائج الإنتخابات العراقية التي أجريت يوم 7 مارس الجاري، وتأخرت تلك النتائج ، التي تتابع خطواتها مفوضية مستقلة ، تخضع لرقابة دولية، لا وزارة الداخلية كما هو الشأن في غالب دول العالم.
واعتمدت في هذه الإنتخابات أرقام معينة ، فدلت إحصائيات السكان على أن سكان العراق يبلغون 30 مليونا وأن 19 مليون ونيف منهم مرسمون على قائمات الناخبين 62 في المائة منهم شاركوا في التصويت ( أي حوالي 12 مليون).
وجاء لتأخير إعلان النتائج تبرير بأن التثبت يقتضي الوقت، وأنه لا يراد أن يظهر أي خطأ، وتقدم الطعون أولا للمفوضية ، ثم لمحكمة التمييز ( التعقيب أو النقض)، غير أنه بات واضحا أن الجهات السياسية باتت غير مستريحة لهذا التطويل ، وقال أحد كبار المترشحين أن النتائج في أمريكا تظهر بعد ساعات قليلة من إجراء الإنتخابات رغم أن عدد الناخبين يكاد يبلغ 220 مليونا.
وينتظر أن تكون النتائج النهائية ظهرت خلال الأسبوع المنقضي، غير أننا سوف نتولى في هذه المقالة التحليلية التوقف عند النتائج التي ظهرت لحد يوم الأحد 21 مارس أي تلك التي تهم تصويت 95 في المائة من الناخبين، وهي الأرقام التي كانت متاحة لحد مساء الإثنين الماضي..
والمهم أن نفهم مسار هذه الإنتخابات الثانية منذ سقوط نظام صدام حسين والتي تجري وفق الدستور المؤقت والذي يبدو أنه سيكون دائما.
فالتصويت يعتمد النظام النسبي المطلق، وهو نظام وإن اتسم بالعدالة ورسم صورة أقرب ما تكون للواقع في الخريطة السياسية ، فإن له مساوئ تتمثل أساسا في تفتيت الساحة السياسية وعدم ظهور أغلبية واضحة تستطيع الحكم، وتحتاج إلى تحالفات كثيرا ما تكون عرجاء وتتميز بالهشاشة ، وربما تدفع لعدم الإستقرار ما يعيق التنمية.
غير أنه لم يكن من خيار آخر باعتبار ما خرج منه العراق بعد حكم ثلاثين سنة تحت رئاسة صدام حسين ، و50 سنة منذ انقلاب عبدالكريم قاسم والقوميين  في 1958، وهو انقلاب انقلب عليه عبدالكريم نفسه قبل أن يزاح هو الأخر على أيدي البعثيين سنة 1963 في حمام من الدم.
ورغم ما يقال في النظام العراقي  الملكي السابق ومن تبعيته للغرب ، ومن "خياناته " تجاه القضية الفلسطينية، فإنه كان نظاما جرت في ظله ومنذ العشرينيات من القرن الماضي انتخابات دورية، وتداول على الحكم.
وبعد القوسين للفترة 1958/2003 عاد العراق ليعرف انتخابات شفافة إلى حد بعيد( تحت مظلة احتلال أمريكي)، اتسمت بالتداول على السلطة وفي سبع سنوات تعاقب على البلاد ثلاثة رؤساء وزارات ، هم إياد العلاوي ، الشيعي ولكن العلماني والمضاد للمحاصصة المذهبية، وإبراهيم الجعفري الشيعي ولكن المتخبط ، ثم نوري المالكي الشيعي والمناور الكبير وصاحب التحالفات المتغيرة.
وإذا علمنا أن العراق هو بلد متعدد الأعراق متعدد الأديان والمذاهب، لرأينا كيف يمكن جمع البلد على صعيد واحد، وهو ما نجحت فيه الأنظمة الديكتاتورية زمن عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف وعبدالرحمان عارف، وأحمد حسن البكر ( كان يحكم اسميا) وأخيرا صدام حسين.
ففي العراق تنوع إثني وديني لا مثيل له في أي بلد في العالم.
ويشكل العرب 75 إلى 80 في المائة من السكان وثاني جنس هو الأكراد بين 15 و18 في المائة وتشكل الإثنيات الأخرى مابين 2 و5 في المائة ، وغالبها من التركمان والكلدان والأشوريين والسومريين والأرمن.
أما من الناحية الدينية فالأمر ليس أقل تنوعا ، ويشكل المسلمون حوالي 92 في المائة 56 في المائة شيعة و42 في المائة سنة أو هكذا تقول أرقام ليست متأكدة. أما الأديان الأخرى فهي المسيحية من كلدان وآشوريين وهم 14 فرقة مسيحية ، عدا الصابئة الويزيديين وغيرعم من مندانيين ومنويين.
وقد استقر الحكم السني في العراق على طول الأحقاب التاريخية، ولم يحكم الشيعة إلا لفترات قصيرة جدا مع البويهيين بين 932 و967 ميلادية ومع الصفويين بين 1508 و1534.
ولذلك فإن الإنتخابات في العراق لا بد أن تراعي هذا التوزع الإثني والديني وهناك مثلا مقاعد مخصصة للمسيحيين ولبعض الفرق الأخرى وكذلك للأقليات الجنسية.
تقييم النتائج الجزئية للإنتخابات
وباعتبار أن النتائج الكاملة لم تظهر بعد عند كتابة هذا المقال فإننا سنتوقف لاستعراض أهم القوى التي أظهرتها الإنتخابات ، وهو أمر بات واضحا الآن وإن كان في حاجة إلى مزيد التوضيح باعتبار النتائج النهائية المنتظرة.
** وسنقف عند أربع قوى أفرزتها الإنتخابات الأخيرة في العراق تستقطب وحدها أكثر من 94 في المائة من المقاعد الـ325 في البرلمان العراقي المقبل:
فقد أفرزت الإنتخابات التي جرت في 7 مارس 2010 ما يلي في انتظار تأكيد ذلك بظهور النتائج النهائية وباعتبار التسابق الدقيق بين جهتين اثنتين يمكن لكل منها أن تكون الفائز الأخير بنتيجة السباق:
1)   العراقية وهي تحالف بين  الأقلية السنية وجزء من الشيعة وعدد من الفئات الأخرى ومنهم المسيحيون، ويرأس هذا التحالف الذي يبدو أكثر انسجاما داخليا إياد العلاوي رئيس أول حكومة عراقية في ظل الإحتلال الأمريكي ، وهو رجل شيعي علماني قريب من الزعامات السنية ، التي لا يمكنها بمفردها أن تدخل في سباق مع الشيعة.
ويبرز علاوي نفسه كمنقذ محتمل للعراق، كما كان الأمر عندما تولى رئاسة الحكومة في 2003  وهو معروف بنظافة اليد، ومكن العراقيين وفي حدود الإمكان من الحضور في وجه الأمريكان رغم صعوبة الظرف، وهو يعد ديمقراطيا حتى النخاع إذ أنه ونتيجة انتخابات 2005 التي خسرها غادر الحكم بكل أريحية.
وعند كتابة هذا المقال فإنه يكون قد فاز بـ91 مقعدا.
2)   ائتلاف دولة القانون ويتزعمه نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي وهو شيعي قريب من إيران ولكنه يكن عداء شديدا للقيادات السورية، وعليه تحفظات كبيرة غربية وسورية وعربية عامة، ويصعب أن يقع توافق على رئاسته للحكومة،
وقد نال ائتلافه حتى كتابة هذه السطور 88 مقعدا في البرلمان الجديد أي إنه يأتي في مرتبة ثانية.
3)   الإئتلاف الوطني العراقي بزعامة  عمار الحكيم نجل الفقيد عبدالعزيز الحكيم وهو غير راغب في الحكم  شخصيا، وحلفاؤه أحمد الجلبي المنبوذ عراقيا وعربيا وهو وهذا هو التناقض أكبر حليف لإيران ولأمريكا، وأيضا إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء السابق والذي لا يرغب أحد في التجديد له في رئاسة الوزراء، ومقتدى الصدر الذي لا يرغب أحد فيه  أيضا باعتبار مواقفه الماضية وتقلباته وميليشياته غير المنضبطة في أن يصل لرئاسة الوزراء ، وهذا الإئتلاف الذي حصل حتى الآن 70 مقعدا يرشح عنه لرئاسة الحكومة إما عادل عبدالهادي أو وزير الداخلية الحالي جواد البولاني والرجلان معروفان بنظافة اليد في بلد استشرى فيه الفساد.
4)   التحالف الكردستاني الذي وإن كانت اختلت موازناته الداخلية بين البرزاني والطالباني فإن عدد مقاعده حتى الآن هو 41 مقعدا تضاف إليها 6 مقاعد لمعارضيه من الأكراد.
ومن هنا فإن المقاعد الموزعة حتى الآن هي 296 مقعدا أي إن هناك 19 مقعدا من بينها المقاعد التي وزعت بعد على الأقليات ، وليبلغ مجمل عدد النواب 325 نائبا في البرلمان المقبل ، بما في ذلك الحصص المخصصة للمرأة.
ومن هنا فإن المقاعد الباقية للتوزيع قليلة جدا إلا أنها يمكن أن تعيد قلب الحسابات، بين العراقية  وإياد علاوي من جهة ودولة القانون والمالكي من جهة أخرى.
وتأتي أهمية من يأتي في المرتبة الأولى هذا أو ذاك من الإئتلافين ، من أن صاحب المرتبة الأولى هو الذي سيدعى لتشكيل الحكومة، أي علاوي في الحالة الأولى وعليه إجماع في تحالفه أو شخص آخر يمكن أن ينبثق من دولة القانون أو الوطني العراقي بزعامة عمار الحكيم.
**
وسواء كان علاوي أو المالكي وتحالفه فإن أي تجمع من التجمعات الأربعة وفي ظل نظام التصويت  النسبي لا يمكنه الإنفراد بالحكم، ويتولى إياد علاوي من جهة والمالكي رغم قلة حظه في العودة لرئاسة الوزراء ولذل فإن كلا منهما يخطب ود الطرفين الآخرين المهمين أي الإئتلاف الوطني أو الطرف الكردستاني.
وحسابيا وحتى الآن وفي انتظار بقية النتائج من جهة وأيضا في انتظار معرفة التوجهات التي سيتخذها النواب المسيحيون والصابئة أو التركمان أساسا فإن أي من الطرفين ليس قادرا على تشكيل حكومة بالإعتماد على حليف واحد سواء كان من الأكراد أو من الوطني.