من أرشيفي
الخاص في جريدة الصباح (6)
|
بقلم عبد
اللطيف الفراتي
تونس/الوسط/03/10/2014
بعد غياب طويل لظروف خاصة لا أعادها
الله ولا ابتلاكم بها ها نحن نعود إلى قرائنا الكرام ونواصل نشر بقية المنشور من
مقالاتنا في جريدة الصباح خلال سنة 2010 بعد غياب استمر 10 سنوات جاء على إثر الإستغناء عن خدماتي وتم حرماني من
التواصل مع القراء الأعزاء .
ولقد كانت الفرصة سانحة أيام تولي
الصديق فيصل البعطوط إدارة التحرير.
شهادة لله ليس فقط لم أشهد ولا حذف
كلمة مما كنت أكتب، بل لقد اقترحت عليه أسماء كانت في عداد المعارضين أو هكذا
يوصفون ، وألحقهم بصفحة الرأي لعل أبرزهم احميدة النيفر وصلاح الجورشي الذي كان
ممنوعا من الكتابة في الصحافة التونسية قبل تلك الفترة مثلي تماما.
كما استطعت أن ألحق أسماء أخرى بعضها
من التونسيين والبعض الآخر من الإخوة المغاربة أو الجزائريين.
وفي ما بلي ما جادت به القريحة في
الشهر الخامس من فترة التعاون مع جريدة الصباح التي كانت تحررت شيئا ما في تلك
الفترة أي فترة 2010:
وسيلاحظ القارئ كم من تلك المقالات ما
زالت مرتبطة بواقع اليوم رغم مرور قرابة 5 سنوات على كتابتها ونشرها:
إلى عناية
الأستاذ نورالدين عاشور
تحية وبعد
فهذه مقالات الأحد والخميس 6 و10 جوان 2010-06-05
كيف وضعت
إسرائيل نفسها
بين فكي
كماشة؟
بقلم
عبداللطيف الفراتي *
لنتحدث
بهدوء، بعيدا عن الإنفعال في محاولة لتحليل ابعاد ونتائج العملية التي قامت بها
إسرائيل يوم الإثنين الماضي 31 ماي 2010، في عرض مياه غزة، ضد ما سمي بأسطول
الحرية أو قافلة السلام.
وسنحاول أن
نلم بالمسألة من مختلف جوانبها، و نستنتج تبعا لذلك حساب الربح والخسارة في ما
أقدمت عليه إسرائيل.
أولا : ماذا
يقول القانون الدولي بشأن العملية الإسرائيلية؟
وحتى لا نسقط
في المواقف غير الموضوعية ، فلنا أن نستعرض أقوال رئيس وزراء فرنسا فيون، إذ يقول
وهو لا ينطق عن الهوى : " إنها عملية مناقضة للقانون الدولي" .
والوزير
الأول الفرنسي يستند في ذلك إلى تحاليل رجال القانون المتبحرين في قانون البحار
باعتماد اتفاقية المم المتحدة لسنة 1982 والتي صدقت عليها 160 دولة، وإذا كانت
إسرائيل لم تصدق فإن شموليتها اي الإتفاقية تعطيها صبغة إجبارية .
ولن ندخل في
تفاصيل كثيرة قد يعسر هضمها ، فإن استقراء النص ، وتطبيقاته تجعل العملية التي
قامت بها إسرائيل في المياه الدولية أمرا
فيه تجاوز واضح للقانون الدولي ( ولكن متى خضعت إسرائيل للقانون الدولي)
ثانيا : هل
إن ركاب الأسطول الواقع عليه الهجوم ( حتى نبقى على هدوئنا ولا نسمي الأشياء
بأسمائها الحقيقية " العدوان ")
هم من الإرهابيين الذين تسعى إسرائيل في إطار عمل وقائي لمنعهم).
فقط نورد
اسما واحدا مستقى من تحليل نشرته صحيفة لوموند : وهو إوارد باك (81 سن) ديبلوماسي
أمريكي سابق كان مديرا مساعدا لمحاربة
الإرهاب في البيت الأبيض تحت رئاسة رونالد ريغن.
الرجل انضم
إلى القافلة( تحديا لإسرائيل بسبب الحصار العدواني الظالم) ضد السكان في غزة.
باك ليس سوى
مثل ليس وحيدا ، فالنواب الألمان والسويديين غيرهم ، وناشطو حقوق الإنسان كثيرون بين المنضمين
للأسطول.
وسؤال هؤلاء
عن سبب انضمامهم ،له جواب إنهم أصيبوا باليأس من المجتمع الدولي على سكوته.
ثالثا : ماهي
تداعيات العملية الإسرائيلية داخل إسرائيل:
هنا نتوقف
عند عنصرين :
العنصر الأول
: هو أن تل أبيب لم تتوقع رد فعل دولي بهذه القوة، فبعد أن كان ناتانياهو يتجه نحو
محاكمة العناصر التي ألقي عليها القبض (
بعبارة أخرى أصح الواقع اختطافها مثل أي عملية قرصنة) اضطر فطلاق سراح الـ680 من (
المحتجزين) .
وكان عدد
كبير من رؤساء الدول والحكومات حتى من أشد أنصار إسرائيل قد طالبوا بإلحاح بإطلاق
السراح ، خصوصا وأن لغالب الدول عناصر من مواطنيها بين المؤسرين.
أما العنصر
الثاني فهو ذلك المتمثل في الخصومة الداخلية بين أفراد الحكومة المضيقة والمشكلة
من 7 وزراء، وهؤلاء يشتكون بأنه لم يقع إعلامهم بالعملية بصورة مسبقة.
هل هي شكوى
حقيقية ، مما يقال بأن وزير الحرب إيهود باراك هو الذي اتخذ القرار هو ورئيس
الحكومة ، بينما يشكك آخرون في ذلك فيما يتساءل آخرون إن لم تكن حكومة إسرائيل قد
أخذت الضوء الأخضر من البيت الأبيض الأمريكي.
رابعا: ما هي تبعات ذلك على الرأي العام الإسرائيلي ؟
تقول مصادر
متعددة إن عمليات استطلاع الرأي تبرز أن 62 في المائة من الرأي العام ـ تعتقد أن قافلة السلام كان ينبغي
وقف تقدمها بطرق أخرى.
خامسا ما هو
التعريف القانوني للعملية الإسرائيلية :
يقول الكاتب
السويدي هينيغ مانكيل ( دائما حسب صحيفة
لوموند ): إنها عملية قرصنة، لقد حولت إسرائيل بحارة ، إلى قراصنة، وبمجرد ما نقلونا لإسرائيل ، فإن
العملية تحولت إلى حركة اختطاف .. هكذا بكل بساطة.
معنى هذا أن
رأيا عاما أوروبيا بات ينظر إلى إسرائيل على انها دولة قرصنة.
سادسا : كيف
بدت المسالة من وجهة النظر الرسمية والشعبية الأمريكية؟
تبدو واشنطن
مرتاحة للنهاية ( السعيدة ) لكل القضية ، فهي تعتبر أنها نجحت في فرض قرار الأقل
سوء" بالنسبة لإسرائيل فلم تصدر إدانة ضد تل أبيب ولم يتخذ قرار برفع الحصار
عن غزة ولم تتشكل لجنة فعلية للتحقيق
.
لكن جهات
كثيرة تعتقد أن إسرائيل هي بصدد خسارة مواقع هامة داخل الولايات المتحدة، ولا حديث
عن ما يتفاعل في أوروبا.
هل يصبح الإبن المدلل أقل دلالا بسبب تصرفاته (
الصبيانية) سابق لونه ذلك ، خصوصا وأن إسرائيل العلمانية وذات الأغلبية السكانية
البعيدة عن الممارسة الدينية تركت المكان اليوم لمتطرفين دينيين يدفعون في اتجاه التصلب.
ولكن متى
كانت إسرائيل غير متصلبة أو متفهمة ؟
السؤال
الأخير: وتركيا.؟
لعل أكبر
خسارة منيت بها إسرائيل هي خسارة الحليف الخلفي ولكن من داخل العالم الإسلامي
تركيا.
تركيا التي
كانت تعتقد أنها تسهم في حل معضلة ، تفطنت إلى أن إسرائيل ليس فيها استعداد للحل
السلمي، وانقلاب تركيا اليوم فيه خسارة كبرى ليس إقليميا بل دوليا لتل أبيب .
*رئيس
التحرير الأسبق
إلى عناية الأستاذ نورالدين عاشور
للنشر يوم الخميس 10 جوان 2010
تركيا اللاعب الجديدالفاعل
في قضيةالشرق الأوسط
بقلم عبداللطيف الفراتي*
هل خرجت قيادة الشأن الفلسطيني من
أيدي العرب بعد أكثر من 75 سنة من الإدارة السيئة لأكبر معضلة سياسية دولية تستنفر
عالما عربيا منذ زمن طويل، ولا تجد طريقا للحل لا سلميا ولا حربيا؟
فعند قيام "دولة" إسرائيل
بعد عدة أحقاب على تحرك هرتزل ووعد بلفور، وبعد أن استقر الرأي على إنشاء وطن
لليهود في فلسطين لا في أوغندا ولا في الأرجنتين، فشلت كل المحاولات العربية
للحيلولة دون قيام الدولة اليهودية على أرضهم المقدسة، كما فشلوا بعد ذلك في زحزحة
الكيان المركب على جسم أرضهم .
وسيقول التاريخ إن العرب بملايينهم
الكثيرة وجيوشهم الجرارة قد انهزموا عديد المرات أولا على يد العصابات اليهودية،
ثم بواسطة جيش حسب على اعتباره واحدا من أكثر الجيوش فعالية في العالم.
ولم يكن العرب أكثر فعالية سياسيا.
وانتهى الوضع في نهاية العقد الأول من
القرن الواحد والعشرين ، إلى التسليم لإسرائيل بكل شيء في ظل سقوط المقولة التي
أطلقها عبدالناصر "ما افتك بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة"، ودول الطوق
جميعها مالأت اليوم إسرائيل ، إن بصورة معلنة ووفق اتفاقيات موقعة وملزمة مثل اتفاقية كامب ديفيد بالنسبة لمصر ، أو
اتفاقية وادي عربة بالنسبة للأردن، أو بصورة غير معلنة ومصحوبة بتصعيد كلامي ، غير
مصحوب بفعل، بالنسبة لسوريا /
وبقيت الجبهة اللبنانية وحدها هي
الجبهة "الحية"ليس ذلك بالإرادة العربية ، وإنما لتضافر عوامل معينة،
منها أن لبنان هو الدولة الوحيدة أو تكاد عربيا في
المشرق التي تنعم بنظام ديمقراطي، ومنها
أن لبنان خاضع في قراره غير المستقل ، وهناك من يراهن على المحاربة به إلى آخر رجل
لبناني أو من حزب الله، وآخر رصاصة وافدة من خارجه.
هكذا إذن فشلت المساعي العربية سواء
الحربية أو السلمية على مدى أكثر من 60 سنة، فلم تنفع الحرب ولا قدمت شيئا، ولم
تنفع مشاريع السلام بكل تنازلاتها العربية حتى لم تبق حتى ورقة التوت.
في هذا الخضم بكل تعقيداته، وغياب أي
أفق لا للحرب ولا للسلام ، دخل لاعب جديد هو تركيا ، بأساليب وطرق جديدة، تبدو
للوهلة الأولى أكثر نجاعة، ما يطرح سؤالا : هو هل إن القضية الشرق أوسطية خرجت من
أيدي العرب ، وباتت في يد تركيا.
أسطول الحرية أو قافلة الحرية، وما لحقها وما سيلحقها هي أسلوب جديد للتناول ،
قوامه توجهات سلمية ، وقاعدته تحرك إنساني، وهدفه القيام بعملية دعائية بالمعنى
النبيل للكلمة، ووسيلته استقطاب مجتمع دولي في عملية كان لها صداها، رغم أنها في
النهاية عملية بسيطة، لا ترقى لتعقيدات العمل الحربي ولا لتعقيدات العمل السياسي
المجرد.
ولعل هذا التحرك الذي شاركت فيه جهود
عربية ودولية شعبية من عديد البلدان ومساهمات شبه حكومية جزائرية وكويتية، هو ما
شكل أكبر هزة لإسرائيل في السنوات العديدة الماضية:
-
فمن جهة اضطرت إسرائيل لتعبئة نفسها في مواجهة تحرك غير مسلح قوامه
هدف إنساني، لكسر حصار على غزة، أصبح اليوم مطلبا دوليا من القوى العظمى والأصغر
وحتى الولايات المتحدة في استحياء مخجل، وباتت المطالبة برفع هذا الحصار في قلب
التحرك الدولي، بعد أن كان نسيا منسيا.
وسواء
حقق هذا التحرك نجاحا عمليا فعليا ، وأجبر إسرائيل أو لا على التخلي عن سياسة
تجويع شعب قوامه مليونا ونصفا أم لا ، فالمهم أنه أحرج إلى الحدود القصوى الحكومة
الإسرائيلية ، ودفعها إلى الزاوية.
-
ومن جهة ثانية أيقظت الضمير العالمي إلى حقيقة ، مفادها أن إسرائيل هي
دولة معتدية ، معتدية عبر تجويع شعب بأكمله، معتدية بالتصدي لقافلة بحرية في
المياه الدولية، ومعتدية بالإقدام على قتل وجرح مدنيين عزل، ليس ذلك
جديدا،فإسرائيل منذ دير ياسين ، إلى صبرا وشاتيلا إلى الحرب على غزة، تؤكد يوما
بعد يوم ولشرائح دولية أوسع فأوسع ، أنها دولة مارقة، دولة إرهاب وترويع، دولة
خارجة عن القوانين الدولية ومعايير السلوك الدولي.
-
ومن جهة ثالثة فإن إسرائيل اليوم تقف في موقف الضعف، لم تعد تنفع لها
المبررات ولا تستقيم لها حجة. وليس أوقع على النفس لا عربيا فقط هذه المرة ولكن
بين مختلف شعوب المعمورة من هذا الهجوم العسكري على بواخر غير مسلحة.
لن
يقول أحد أن إسرائيل انهزمت ، ولن يقول أحد إنه سيقع رميها في البحر، وهو خطاب
مضاد لأي إنتاج سياسي إيجابي ، ويعمد له
الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ، ومن يأتمرون
بأوامره ، بل سيقال بعد اليوم ، والإثبات في اليد أنها دولة معتدية ، دولة مارقة ،
تتصرف من موقع إرهاب الدولة، وهو اخطر أنواع الإرهاب ، لا يرقى إليه حتى بن لادن
كما قالت إحدى الصحف الفرنسية.
هذا
الذي جرى يبدو وكأنه سحب القضية الشرق أوسطية من أيدي العرب، ووضعها بين أيدي
الأتراك، الذي أخذوا يثبتون بتؤدة وصبر أنهم يشكلون قوة إقليمية لا بد أن يقرا لها
حساب وألف حساب.
تركيا
دولة أوروبية ، أراد الإتحاد الأوروبي ، أم لم يرد ، وجزء منها في أوروبا، وهي
تسير على إيقاع أوروبا منذ عهد مصطفى كمال أتاتورك منذ قرابة 90 سنة تقريبا، وهي
أيضا عضو في الحلف الأطلسي، كما إنها دولة ديمقراطية بالمعايير العالمية
المتعارفة، ومن هذا كله يتشكل لها وزن، إضافة إلى أنها كانت دوما صديقة إسرائيل
منذ قيامها ويجمعها معها تحالف عسكري ، يبدو وكأنه في سبيله إلى التحلل،
وهي
فوق هذا وذاك عنصر ضروري للإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، من هنا تبدو ذات
مصداقية، وذات قدرة على التأثير، وعلى التحرك المجدي.
الحكومة
التركية كما في قضايا أخرى تتحرك من منطق التراكم، ومن منطق جديد وصفه وزير
الخارجية أوغلو بمنطق العداء الصفر مع أي طرف ، لذلك تقوم تركيا بتسوية أعقد
قضاياها سواء مع أرمينيا أو مع اليونان، وهي كمشروع قوة إقليمية متنفذة تدس أنفها
بحذر ولكن بإصرار في الشأن الفلسطيني/ العربي
ومن مدخل في قمة الذكاء والفاعلية.
· رئيس
التحرير الأسبق
إلى الأستاذ نورالدين عاشور
مع خالص التحية والتقدير
المثال
بقلم عبداللطيف الفراتي *
بعد ألمانيا التي تستعد لرفع سن
التقاعد من 65 سنة إلى 67 سنة، هاهي فرنسا تتجه نحو الرفع أيضا وبالتدريج من 60
إلى 63 سنة.
وفرنسا التي سبق أن اتخذت قرارات في
بداية عهد الرئيس ميتران أول الثمانينيات بالنزول بالتقاعد من سن الـ65 عاما إلى
60 عاما تعض اليوم أصابعها على تلك القرارات الديماغوجية ، التي لم تأخذ بعين
الواقعية ارتفاع مؤمل الحياة في بلدان أوروبا الغربية إلى 85 عاما، تواجه اليوم
عجزا في موازنة التقاعد تتجاوز ميزانية الدولة التونسية كاملة بالضعف.
وفي إطار المنافسة الاقتصادية سواء
الأوروبية أو العالمية ، فإن القرارات "السخية" للحكومات الاشتراكية
سواء بخفض سن التقاعد ، أو بتقليص ساعات العمل في عهد رئيس الحكومة جوسبين ، أدت
إلى تقليص القدرة التنافسية للاقتصاد الفرنسي، وبعد أن كان الميزان التجاري
الفرنسي فائضا، بات عاجزا نتيجة تلك العوامل مضافا إليها ،ارتفاع مشط في قيمة
العملة الأوروبية التي تجري عملية إصلاح خللها في ظل الأزمة وتحت ضغط الحرارة ،
وهي عوامل غير مواتية.
وما دامت أوروبا غالبا تعتمد في مجال
التقاعد على الطريقة التوزيعية (PAR
REPARTITION) لا على التراكم الرأسمالي مثلما هو معمول به في الولايات المتحدة
، والذي أفلس في خضم الأزمة المالية للعامين 2008 و2009، فإن على دولها ـ أي أوروبا ـ أن تتعامل مع المتغيرات بإيجابية
وواقعية، هذه المتغيرات المتمثلة في مجموعة من العوامل يمكن أن نلخصها في النقط
التالية :
** ارتفاع مؤمل الحياة ، وبالتالي
تزايد عدد المنتفعين بالتقاعد وطول أعمارهم ما يفرض نفقات تقاعدية أكثر فأكثر
امتدادا زمنيا ، وأثقل على الصناديق الاجتماعية.
** تحول كبير في طبيعة الهرم السكاني،
حيث انقلبت قاعدته، وبات عدد كبار السن فيه أحيانا وفي بعض البلدان أهم من عدد
النشطين الذين يقومون بأود الصغار قبل سن العمل النشيط وبكبار السن من المتقاعدين
بعد سن النشاط.
** تقلص نسبة السكان النشطين إلى
مجموع السكان في تلك البلدان ما يخضعهم لضغوط حادة لتوفير القاعدة المالية التي
يتم بواسطتها الإنفاق التقاعدي.
ومن هذه العناصر مجتمعة باتت تلك
القاعدة المالية التي تنفق منها جرايات التقاعد
تشكو من إختلالات تسببت في اضطراب موازنات الصناديق التقاعدية وعجزها
ولجوئها إلى ميزانيات الدول لسد العجز، أي زيادة الإنفاق الحكومي من ميزانية الدول
، ما يعني إصابة تلك الميزانيات بدورها بعجز يفرض عليها تجاوز كل الحدود، وما يؤدي
بالطبع إلى تضخم مالي وغلاء في الأسعار، وبالتالي اضطرابات اقتصادية تصبح شيئا
فشيئا خارج نطاق السيطرة.
من هنا فإن الدول الأوروبية وحكوماتها
التي لم تعد قادرة على مواجهة وضع أكثر فأكثر تفاقما، وجدت نفسها مضطرة لمعالجة
أوضاع مؤذنة ، إما بإفلاس أنظمة تقاعد تبدو في أشد الحاجة إلى الإصلاح والكف عن
صرف المرتبات التقاعدية أو تقليصها إلى حدود مزرية كما هو الشأن في روسيا اليوم،
أو ترك الحبل على الغارب وتسديد عجز تلك الأنظمة عبر موازنات الدول، وهي حلول
ثقيلة من جهة وغير عادلة من جهة أخرى لأنها تقتطع مضاعفا من الدخل لفائدة الضرائب
، وتقتطع من الدخل لفائدة التراكم اللازم لدفع الجرايات التقاعدية ، وتضيف إلى ذلك
أعباء ثقيلة على العاملين اليوم دون تأكدهم
من ضمان حقهم غدا في الحصول على مرتبات تقاعدية عادلة أمام "الهروب
إلى الأمام" وعدم معالجة الأمر في الوقت المناسب.
وإزاء وضع بهذا التعقيد حاليا
ومستقبلا، فإن دولا قوية مثل ألمانيا أو فرنسا وجدت نفسها مضطرة إلى اتخاذ قرارات
غير شعبية لم يعد هناك مجال لتأجيلها يقوم على:
** تأخير سن التقاعد
** زيادة حجم الاقتطاع
** تقليص منافع المتقاعدين المقبلين
** البحث عن سبل تمويل أخرى للصناديق
التقاعدية دون مزيد إثقال كاهل العاملين أو المؤسسات أكثر من اللزوم ، كفرض أداءات
مخصصة على الثروات الكبيرة أو معاقبة المجالات المضرة بالصحة وتوازن المجتمع مثل
التبغ والمشروبات الكحولية وفرض أداءات أخرى على المظاهر الكبيرة للثروة على غرار
برك السباحة الفردية والسيارات الفارهة واكتساب اللوحات الغالية بصورة فردية أو
المجوهرات فوق حدود معينة، وغيرها مما تفتقت عليه عقول المخططين الإستشرافيين في
فرنسا وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية التي تشكو من ظاهرة اختلال أنظمة
التقاعد نتيجة اختلال الهرم السكاني وخاصة من البلدان التي تشكو من تدهور شديد في
عدد الولادات مثل تشيكيا والمجر وإيطاليا ، وبدرجة اقل عدة بلدان أوروبية أخرى.
وتونس بالذات التي دخلت دورة التشيخ
وتقلص الولادات والتي سيصل عدد سكانها في أقصاه إلى 13 مليونا ونيف ( 10 ملايين
و481 ألفا في 31 جويلية 2009) قبل أن يتدهور إلى 10 ملايين قبل منتصف القرن مرشحة
لأن تشهد في مستقبل منظور ما تعرفه اليوم عدة بلدان أوروبية من اختلال في التوازن
الديمغرافي ، وهي التي تشهد بعد عجزا فادحا في أنظمة التقاعد خاصة منها العمومية ،
وجب عليها أن لا تترك السيل يجرفها، وتواجه الأمر في الوقت المناسب بالقرارات
الجريئة ربما المرة ولكن الضرورية خصوصا وأن عدد سكانها من السن الثالثة كما يقال
ستبلغ نسبتهم 30 في المائة وفي مستقبل منظور لا يتعدى الجيل الواحد.
وإذا كانت أنظمة التقاعد التونسية
تشكو اليوم عجزا منفلتا وجبت معالجته، فكيف سيكون الحال وأمر الاختلال السكاني في
تفاقم.؟
إن ما يجري في أوروبا ، والحلول التي
أخذوا يعملون بها جديرة بأن تنال اهتمامنا ، إذا أرادت بلادنا أن تنقذ أنظمتها
التقاعدية ، على أسس عقلانية، وفي اتجاه التقريب بينها باعتبار قلة العدالة بينها.
*رئيس التحرير الأسبق
عودة إلى الأصول
بقلم عبداللطيف الفراتي *
تنتهي هذه الأيام أو تكاد سنة
مدرسية أخري تطوي أيامها ، وتعد لفترة تعطل طويلة لا تقل عن ثلاثة اشهر بالنسبة
للبعض أو على الأصح الأغلبية.
ولم تبق من الامتحانات الوطنية أو
الجهوية إلا القليل القليل ، أو الذيول مثل الدورة الثانية للباكالوريا، أو
السيزيام الاختياري هذا العام ، وتبدو
معاهد التكوين المهني التي نجحت في تخريج أفواج من حاملي شهادات عملية تتلقفهم سوق
العمل هي الأكثر جدارة حيث تواصل العمل الفعلي حتى منتصف جويلية لتعود لفتح
أبوابها أمام دفعات طلبتها في الأول من سبتمبر.
ويبدو أن وزارة التربية والتكوين
المهني قد استمرأت حجب المعلومات الإحصائية عن المواطنين ، شانها في ذلك ما حصل في
السنة الماضية من عدم نشر النتائج النهائية للباكالوريا في الإبان وربما حتى بعد
الإبان، بحيث أمكن لنا الحصول على نتائج فرنسا والمغرب وليبيا وموريتانيا والجزائر
في وقتها باستثناء تونس.
أما هذا العام فقد "
تقدمنا" خطوة فلم تنشر جريدة الصباح السباقة عادة في النشر إلا أرقام
المرشحين المحتملين أي 139 ألفا يزيدون بقليل ، دون معرفة من منهم من الذكور ومن
الإناث ، ودون معرفة من منهم من يترشح في
هذا الاختصاص أو ذاك، ودون معرفة من منهم ينتسبون للمعاهد الحكومية أو للمعاهد
الخاصة ، أو المترشحين الأحرار، ومن المؤكد أنه سيصار إلى عملية هذا الحجب غير
الطبيعي بالنسبة للنتائج في الدورة الأولى والدورة الثانية للتدارك، وألله لا
تقطعنا عادة .... خاصة إذا كانت سيئة ومتناقضة مع دور الباحثين والصحفيين
والأولياء وكل المواطنين.
الأمر الوحيد المعروف هو أن العدد من
المرشحين هو هو نفسه عدد العام الماضي تقريبا ، الذي يقل بـحوالي 17 ألفا عن عدد المرشحين
في سنة 2008، معنى هذا باعتبار ما تسرب من أن عدد الناجحين دفعة 2009 للباكلوريا
كان أقل من المأمول ، وأن الخميرة الباقية من السنة الماضية كان كبيرا ، معنى هذا
إذن واستنتاجا هو أن عدد تلامذة الثانوي بصدد التراجع وأن ما أصاب التعليم ابتدائي
والمتوسط ( الأساسي) هو بصدد الانتقال للثانوي.
ما علينا، فلعل الوزارة تجود علينا،
بأرقام ضرورية للباحثين وللمقارنات، كانت متاحة ومتوفرة وبالتجربة منذ الاستقلال
وحتى للسنة قبل الماضية.
وفي الأثناء فإن نهاية العام المدرسي
توحي بعدة ملاحظات، في انتظار تحاليل أوفى إن توفرت المعطيات ولم يقع حجبها مثل
العام الماضي من قبل الوزارة.
إن أشياء كثيرة مطروحة حاليا على بساط
الدرس بالنسبة لمجال التعليم المدرسي، منها الزمن المدرسي، والعنف في المدارس ،
والبرامج والمناهج المدرسية وغيرها كثير ، إلا أننا لضيق المجال سنتوقف عند نقطة
وحيدة تهم بالذات المعلم ونقصد به رجال
التعليم ونسائه، بعد أن أصبحت الكفة مائلة للعنصر النسائي في الابتدائي والثانوي
وتميل شيئا فشيئا للعنصر النسائي حتى في العالي.
ألم يقل أحمد شوقي :
قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد
المعلم أن يكون رسولا
ثم أليس التعليم هو أنبل مهنة في
المطلق، فهي التي تنقل المعرفة من جيل إلى جيل، وهي التي تمكن من التراكم المعرفي،
قاعدة التمدين والحضارة.
من هنا فإن المعلم بقدر علو قدره
ينبغي أن يكون القدوة والمثال.
في زيه وفي مظهره وفي سلوكه.
عندما كنا نجلس على مقاعد الدراسة
وحتى في جيل أبنائنا ، كان المعلم يأتي للقسم والكرافاته تزنر قميصه، والجين غريب
عن زيه.
وكانت السيدات حاسرات الرأس أو الشعر،
وقد لبسن زيا محترما .
ولم يكن مطلوبا فصل التلاميذ بين صفوف
للبنات وصفوف للبنين ، لا اختلاط بينهما ولا مجال لتبادل كلمة ، أو طلب قلم أو
مسطرة مثلما يجري اليوم لدى البعض ، ما ذكرني بتلك السنوات التي قضيتها في كتاب
الحاج خليفة الطياري ، عندما كانت الصفوف منقسمة بين أولاد وبنات :وإذ كان
الاختلاط معاشا في تلك السنوات من الأربعينات ، فلقد كاد يكون من الكبائر مخاطبة
فتاة بل طفلة فقد كنا جميعا تحت سن العاشرة ، أو بالنسبة للبنات مخاطبة فتى ومهما
كانت الأسباب.
ولعل الأغرب أننا كنا بنات وأولاد
نلتقي في البيوت ونلعب معا، ولكن كان ممنوعا التوجه بكلمة لطرف من الجنس الآخر.
وإذ مرت سنوات وعم الاختلاط في
المدارس، (وهو اليوم مطلب ملح في بلدان تخلفت عنا ومنها السعودية ) بكل نواحيه
الإيجابية وتم تجاوز الوساوس الجنسية المعششة في العقول المريضة والمصابة بالكبت ،
والعقد والمركبات ، فليس مطروحا اليوم وكما قيل لي أن يعود البعض
ومن وراء الإرادة الجماعية وتحديا لها
لسياسة الفصل بطرق ملتوية كما قيل لي وفي مخالفة صريحة لسياسات الدولة.
وبما أن المعلم هو القدوة و المثال،
فهو بزيه ولباسه وسلوكه يعتبر المثل الأعلى الجدير بالإتباع.
وإذا كانت المدرسة فضاء حرا محايدا ،
فذلك يعني أن لا تكون مجالا لفرض تصورات معينة عبر سلوكات أو أزياء معينة.
إن تنشئة الأجيال وتطابق سلوكها
المحترم تتطلب يقظة ما بعدها يقظة ، فلا
يترك شيء للصدفة أو للإهمال حتى تخرج المدرسة مهما كان مستواها أجيالا سوية من
التونسيين والتونسيات.
إني أعرف أن هذا الكلام سوف لن يعجب
الكثيرين ، ولكني وكما قلت منذ اليوم الأول من العودة للكتابة في جريدة الصباح يوم
31 جانفي 2010، فإني لا أعرف للدوران حول الموضوع سبيلا، بل أسوق ما هو صواب من
وجهة نظري ، وتلك هي مهمة الصحفي والكاتب والمثقف ، فهو لا يسير خلف الركب بل
أمامه يصدع بما يعتقد أنه الحقيقة.
· رئيس التحرير
الأسبق
· fouratiab@gmail.com
إلى عناية الأستاذ نورالدين عاشور
لعدد يوم الأحد
محمد مزالي .. الرحيل الأبدي
بقلم عبداللطيف الفراتي *
في
ليلة قائظة من أيام صائفة 1986 لبس محمد مزالي الكدرون والشاشية، وقطع الحدود
المائية ليصل عبر سرا إلى الجزائر، حيث قدم نفسه للسلطات الجزائرية التي أكرمت
وفادته ، ومكنته من وسائل السفر إلى أوروبا.
كان ذلك هو رحيله الأول الذي اعتقد
طويلا أنه لا رجعة بعده إلى تونس.
ولكنه عاد لبلاده المفعم قلبه بحبها
على ما يقول ويؤكد لكل الناس، وعاش فيها حتى مرضه الأخير، الذي حمله مرة أخرى
لباريس التي عاش فيها 16 سنة في المنفى
عدا سنوات الشباب والدراسة في الخمسينات ، حيث قضى نحبه ، وعاد مسجى لبلاده حيث
دفن في أحضانها.
حياة حافلة عاشها الرجل بحلوها ومرها،
عرف فيها فترات المجد، ووصل إلى مقربة شديدة من قمة القمم، ثم عصفت به الأحداث
فعاش منفى يقطر مرارة.
محمد مزالي بقطع النظر عن النتائج
يمكن أن يعتبر لا فقط رجل سياسة بل رجل دولة، لأنه كان يحمل تصورا مجتمعيا قد يتفق
معه المرء وقد يختلف، ولكن من الثوابت أنه لم يكن مجرد منفذ سياسي ، بل كان من
وجهة نظره حاملا لرسالة معينة، أيده بشأنها الكثيرون وما زالوا يؤيدون، وخالفه
بشأنها الكثيرون وما زالوا يخالفون.
ثلاثة عناصر يمكن الوقوف
عندها في تقييم مسيرة الرجل:
أولها أنه كان مؤمنا بأن الديمقراطية
هي السبيل الوحيد الموصل إلى بر الأمان، ومنذ شبابه كان أول ما أنتج فكريا هو كتاب
عن الديمقراطية نشره له الأديب والمفكر الكبير أبوالقاسم محمد كرو في إطار سلسلته
"كتاب البعث" سنة 1956 أي في سنة الاستقلال بالذات.
وسيحاول أن ينفذ أفكاره المنبثقة من
صميم الفلسفة اليونانية (إذ لا ينبغي نسيان أنه خريج فلسفة من السوربون )، بمجرد
ما أصبح وزيرا أول فأقنع الرئيس بورقيبة بفوائد التعددية الحزبية التي كانت غائبة
منذ سنة 1961 عن الساحة السياسية وتم الاعتراف بثلاثة أحزاب،
كما أقنع الرئيس السابق بضرورة تنظيم
انتخابات نزيهة وشفافة سابقة لأوانها غير
أن العملية انتهت إلى إفلاس شديد، إثر عملية تزوير واسعة، ويقول مناوئوه إنه كان
عليه أن يستقيل بينما كان أنصاره يدافعون عن بقائه بحجة أن المسار الديمقراطي لا
بد أن يصاب بنكسات لمجرد ذهابه.
على أن فترة ترؤسه للحكومة شهدت على
ما يبدو أفضل فترات الحرية الصحفية وحرية التعبير طيلة حكم الرئيس السابق الحبيب
بورقيبة، على كثرة ما تعرضت له الصحف من محاكمات رأي في تلك الحقبة.
ثانيها أنه كان رجل فكر، ومن هنا غلبت
عليه مسحة تسامح ، كانت تقطعها فترات من قلة التسامح، ويحسب له انه أنشأ مجلة
الفكر التي كانت وعاء مهما لتفاعلات الأدب التونسي والمغاربي وحتى العربي ، وكانت
مرآة لفترات حساسة من تاريخ المنطقة، ولقد صدرت المجلة بانتظام حتى فراره من تونس
بعد إقالته من الوزارة الأولى في سنة 1986 ، وما شعر به من أنه معرض لمحاكمة
مفبركة، ولما تعرض له أفراد من عائلته من ملاحقات.
وفي هذا الإطار تولى لمدة سنوات طويلة
رئاسة اتحاد الكتاب، حتى توليه رئاسة الوزراء في سنة 1980.
ثالثها اهتماماته الرياضية، ولقد كان
معروفا عنه إنه لا يهمل أبدا حصته
الرياضية الصباحية لا في مقامه ولا في ترحاله، وخلال زيارة له في الفيلا التي خصصت
له في إيفران من ضواحي مدينة فاس
خلال القمة العربية الأولى في المدينة، فقد كنت مضطرا لملاحقته في مسيرته
الرياضية وأنا أقتطف منه شذرات أخبار مما قاله الملك الحسن الثاني خلال تلك القمة
المجهضة.
وبينما كان يجري مستريحا كنت أنا ألهث
من شدة الإرهاق.
غير أن أنشطته الرياضية لم تكن مقتصرة
على حصة الممارسة، بل كانت تشمل مسؤوليات كبرى تونسية وعربية ودولية، فخلال
الستينيات كان يشغل منصب مدير عام الشباب والرياضة، وكان عضوا بمجلس بلدية تونس
أيام رئاسة المرحوم حسيب بن عمار، وكان شديد المطالبة بتخصيص ميزانيات معقولة
للرياضة، ثم إنه تولى رئاسة اللجنة الأولمبية التونسية وفي عهده تم تنظيم الألعاب
المتوسطية في سنة 1967، وبقي في هذه الخطة حتى سنة إقالته من رئاسة الحكومة، على
أنه تولى أيضا نيابة الرئاسة في اللجنة الأولمبية الدولية لولاية واحدة ، ثم عضوية
اللجنة حتى وفاته، واتخذ من هذه الخطط منبرا للظهور الدائم في المحافل الدولية.
ومن خلال هذه الأنشطة يمكن القول إن
حياته كانت مليئة ثرية عرف خلالها فترات مجد ، وأيضا فترات خيبات مريرة.
ويقول مناوئوه إنه رجل حقق طموحاته ،
ولكنه كرجل سياسة لم يعرف كيف يقدم أفكاره ومبادئه على مطامحه، فلقد كان جديرا به
أن يستقيل من الوزارة الأولى بعد تزوير انتخابات سنة 1981 على نطاق واسع ، ـ من وراء ظهره كما يؤكد ـ ، كما كان جديرا به
أيضا أن يقدم استقالته بعد أحداث الخبز في جانفي 1984، وما تسببت فيه من ضحايا بشرية.
وخلال آخر فترة
من توليه الوزارة الأولى ، انهار اقتصاد البلاد، وكان لا بد بعد
إقالته من خطة إصلاحية قاسية لإعادة
البلاد لسكة قويمة، كما إن فتحه جبهات عديدة سواء مع اتحاد الشغل أو مع ليبيا في
نفس الوقت لم يكن موفقا البتة، خصوصا وأنه كان مدركا لحجم ما يواجهه من خصوم في
القصر يسعون كل في إطار مطامعه للإطاحة به وفي ظل ما أصيب به الرئيس السابق من
فقدان لإمكانياته العقلية.
كل ذلك لا ينفي أن محمد مزالي ترك
بصمات في تاريخ تونس وعلى جبهتها ، وأنه لم يمر مرور الكرام، وأن مساعيه لدمقرطة
الحياة السياسية ، أو للتعريب كانت عميقة الأثر، وهو ما يتفق بشأنه مريدوه وخصومه.
· كاتب صحفي رئيس
التحرير الأسبق
للنشر يوم الخميس
بعد رحيل مزالي ..
خطة الوزير الأول في عهد بورقيبة
بقلم عبداللطيف الفراتي *
عندما يغيب الموت أحد الوزراء الأولين
السابقين في أي بلد من بلدان العالم، يثير من الذكريات ما يثير، يتذكر الناس
حسناته وسيئاته ، إيجابياته وسلبياته. ولكن أيضا صلاحياته ومشمولاته
لقد عرف عهد الرئيس السابق عددا
محدودا من رؤساء الحكومات والتسمية في تونس هي الوزراء الأول .
وفي ما قبل الإستقلال وفي عهد البايات كان يطلق على رؤساء الحكومات
تسمية الوزير الأكبر، وإذا صح المعنى اللغوي فإن ذلك لا يعني أن الأمر يهم رئيس
حكومة بل يهم وزيرا من الوزراء أكبر من الآخرين رتبة .
وبعد الإستقلال تسمى الرئيس بورقيبة عندما
شكل حكومته الأولى قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية برئيس الحكومة.
ولكن وعلى إثر تغيير النظام وإلغاء
الملكية في سنة 1957، ألغي منصب رئيس
الحكومة أو الوزير الأول، على غرار ما هو موجود في النظام الرئاسي الأمريكي ، غير
أنه أحدث منصب كاتب دولة للرئاسة للتنسيق بين الوزراء ، وكان أشبه بمنصب وزير أول
ينسق عمل الوزراء لا الحكومة، وقد تولى المنصب السيد الباهي الأدغم أقرب مساعدي الرئيس بورقيبة إليه منذ خلاف
الرئيس السابق مع صالح بن يوسف وما جرى من استبعاد الزعيم الوطني الذي كان امينا
عاما للحزب الدستوري.
ولقد بقي السيد الباهي الدغم في منصبه ذاك ككاتب دولة
للرئاسة حتى أواخر الستينات ، عندما اشتد المرض بالرئيس السابق بورقيبة واضطر
لقضاء فترات طويلة نسبيا ومتكررة للعلاج في الخارج، فعينه وزيرا أول، ومكنه لطبيعة
المرحلة من سلطات كبيرة جدا.
ومن ناحية المدلول فالواضح أن عبارة
الوزير الأول لا تعني لا من قريب ولا من بعيد صلاحيات ومفهوم عبارة رئيس الحكومة.
ونجد عبارة رئيس الحكومة متداولة في
دول سواء ملكية مثل إسبانيا أو هولاندا أو السويد والدانمارك والنرويج وخاصة
بريطانيا العظمى، أو في أنظمة جمهورية تسمى بالبرلمانية مثل المانيا والنمسا
والبرتغال وإيطاليا ، وغيرها حيث تتجمع خيوط السلطة في أيدي رئيس الحكومة بينما
يقتصر دور رئيس الدولة سواء كان ملكا أو رئيس جمهورية على أدوار تشريفاتية.
ولكن في دول أخرى مثل فرنسا فإن وجود
وزير أول بهذه التسمية لا يعطيه صلاحيات
كبيرة ، فالقرار وتحديد السياسات، هي من مشمولات رئيس الجمهورية وبالتالي فإن
الوزير الأول لا يعدو ان يكون منفذا للسياسات التي يحددها الرئيس.
وقد كان الجنرال ديغول على حد علمنا
هو الذي تصور هذا النظام الذي يقف عند نصف الطريق بين النظام الرئاسي والنظام
البرلماني.
والوزير الأول في هذا النظام
الفرنسي يمكن أن يحاسبه البرلمان بل
ويسقطه هو وحكومته عن طريق طرح الثقة، وإن لم يقع ذلك مطلقا على مدى أكثر من 50
سنة مضت على قيام الجمهورية الخامسة الفرنسية.
وبعكس النظام الرئاسي ، حيث الحد
الفاصل بين السلطة التنفيذية ممثلة بالرئيس وحده، غير قابل للتجاوز، وإن كان أي
تعيين لمنصب من المناصب الكبرى حتى غير الوزارية أصبح منذ 40 سنة خاضعا لمصادقة
مجلس الشيوخ، فإن المحاسبة تتم عن طريق التصديق أو لا على الميزانية التي يقترحها
الرئيس أو مشاريع القوانين التي تاتي إما من السلطة التنفيذية أو حتى من مجموعات
من السلطة التشريعية، بعكس ذلك النظام فإن النظام البرلماني ( بريطانيا مثلا)
يقتضي في كل الأحوال نيل ثقة البرلمان الذي يحاسب حسابا عسيرا رئيس الحكومة
وحكومته بصفة جماعية ومتضامنة .
في ظل هذا الوضع فإن النظام الجمهوري
التونسي سجل نقلة نوعية من نظام رئاسي مطلق
أراد الرئيس بورقيبة أن ينقله تماما على شاكلة النظام الرئاسي الأمريكي،
إلى نظام جمهوري مشترك على غرار النظام الفرنسي الذي استنبطه الجنرال ديغول، ليقيم
حاجزا بينه هو شخصيا كرئيس دولة وبين سلطة تشريعية كانت مشاكسة في عهد الجمهورية
الرابعة، ليجعلها في مواجهة وزير أول.
وخلال فترة تولي السيد الهادي نويرة
وهو رجل حازم إلى ابعد الحدود، امكن له ان يتدخل بقوة خاصة أمام المرض المتكرر
للرئيس بورقيبة وكثرة غياباته في الخارج للتداوي، ومما يذكر أنه نجح في إثناء
الرئيس بورقيبة عن الوحدة مع ليبيا في سنة 1974، ودفعه إلى التراجع عن تعهداته.
كما نجح في دفعه لاتخاذ قرارات صعبة
عن كره منه ، ومنها خاصة إقالة الطاهر بلخوجة من منصبه كوزير للداخلية، أثناء
وجوده في الخارج في ديسمبر 1977، وما تبع ذلك من أحداث 26 جانفي 1978 الدموية
والتي القت بظلالها على البلاد لفترة طويلة.
وبعد ما اصيب السيد الهادي نويرة
بالفالج على إثر عملية قفصة في جانفي 1980 والتي اتهمت السلطات الليبية والجزائرية
بإثارتها، اضطر الرئيس بورقيبة لتعويضه بوزير أول جديد، إلا انه وضع مزالي تحت
الإختبار بتعيينه أولا لمدة أسابيع منسقا للحكومة ، ثم أسند إليه خطة وزير أول مع
صلاحيات وزير أول كما يدل على ذلك مفهوم الكلمة.
وخلال قرابة 4 سنوات كان محمد مزالي
مطلق اليد، بثقة عالية من الرئيس بورقيبة الذي اعتبره"بمثابة ابنه" ، ثم
وبعد أحداث ثورة الخبز في جانفي 1984 استعاد الرئيس السابق كل خيوط القرار
والنفوذ، وقلص من صلاحيات وزيره الأول وهو ما حاول أن يستمر عليه بعد عزل مزالي في
جويلية 1986 ومع الوزير الأول الموالي السيد رشيد صفر، بينما لم تكن صحته لا
البدنية ولا العقلية تسمح له بتولي تلك المهام التي تتطلب جهدا ومتابعة كبيرتين.
وإذ تم لاحقا ولمدة اسابيع قليلة تولي
الرئيس زين العابدين بن علي لمهام الوزير الأول فإن تغيير السابع من نوفمبر 1987
قد أدى إلى تحويرات عميقة في الدستور في صيف 1988 ليس هذا مجال الخوض فيها.
*كاتب صحفي رئيس التحرير الأسبق
fouratiab@gmail.com
إلى
عناية الأستاذ نورالدين عاشور
ليوم الأحد
الحيرة
بقلم
عبداللطيف الفراتي *
يقف هذه الأيام عدة عشرات الألوف من المنتظرين لنتائج الباكالوريا وذويهم في حيرة
شديدة من المصير المرتقب.
وهؤلاء
يعتقدون أنهم هنا وفي هذه للحظة يضعون اللبنات الأولى لحياتهم العملية والمهنية
ويحددون آفاق النجاح أو الفشل.
ولا يخلو
الأمر أمامهم من ثلاثة احتمالات تحدد معالم الطريق أمامهم:
** احتمال
النجاح المتفوق ، وهؤلاء تبدو الأبواب مشرعة أمامهم لاختيار مسارات تعليمية توصف
بأنها نبيلة ، كما الطب والهندسة ، وبعض شعب الاقتصاد الميكرو ، وهي شعب تفضي إلى احتمالات تشغيل مفتوحة عادة
وبمداخيل مرتفعة غالبا.
· احتمال النجاح
المتوسط وهو ما يؤدي بحسب السنة إلى شعب
"نبيلة" أو "أقل نبلا" تفضي غلى دراسات قد تنتهي بالنجاح في
اقتناص شغل في نهاية المرحلة.
· احتمال النجاح
الضعيف بكل ما هو معروف عنه من توجيه إلى شعب كثيرا ما يدخلها الطالب وهو كاره
لها، مما يزيد احتمالات فشله الدراسي تعاظما.
ومن
هنا فإن فرحة النجاح في الباكالوريا لتكون كاملة لا بد أن تكون مرفقة بتميز وتفوق
دونه ، وفي نظر الكثيرين "المستقبل ما ثماش"، وقد تطورت
"أدبيات" يعرفها الشباب وقلما تخطر في بالنا نحن الكهول إلا من كان له
ابن أو أبناء في الباكالوريا ، ومن هذه الأدبيات عبارة النجاح HBR وترجمتها " هارب
بالروح" لمن نجح بملاحظة متوسط وهي تعني معدل ما بين 9 نعم 9 وأقل من 12 من
20.
إذن
لم يعد يكفي النجاح في الباكالوريا بل لا بد معه من الملاحظة المتفوقة، والكثيرون
ينتظرون النتائج وأيديهم على قلوبهم لا خوفا من احتمالات الفشل ـ فما أبعدهم عن ذلك ـ بل للتأرجح بين ملاحظة
حسن جدا ( فوق 16 من 20) وملاحظة حسن (
بين 14 16 من 20) ، ففي العام قبل الماضي هناك
وفي ظل تضخم ملاحظات التفوق هناك من نجح بمعدل حسن جدا ولكنه لم ينل طلبه
في الطب ولا الصيدلة ولا طب الأسنان في الست كليات المتــــــــــــــاحة لارتفاع رقمها ( السكور).
ولذلك
وفي نظر الكثيرين فإن نتيجة الباكالوريا والنجاح أو الفشل فيها ليست هي الأهم ، بل
إن الملاحظة المتفوقة أو الأقل تفوقا هي الأهم.
وسواء
كان ذلك صحيحا أم مجرد إعلان نوايا فإن هناك من التلاميذ وآبائهم من يرددون بأنهم
يفضلون عدم النجاح على نجاح موسوم بعدم وجود ملاحظة تفوق.
ومن
هنا إذن تبدو الإجراءات الجديدة للتوجيه التي أوردتها الشقيقة "لوتون "
في عدد يوم الأربعاء 16 جوان في غاية الأهمية، من حيث إنها توفر فرصة توجيه يعتد
أنها ستكون أكثر عقلانية من جهة وأوضح مسارا من جهة أخرى، كما إنها تضع في
الاعتبار قاعدة التشغيل للخريجين وفي هذا الإطار تم التقليص من المسارات الجامعية
التي تضخم عددها ووصل إلى
720
مسارا في العام الماضي والنزول به إلى 580 مسارا في انتظار أن تشهد السنوات
المقبلة مزيد التقليص في دليل التوجيه.
وإذا
قرنا هذا التوجه بما حدده مشروع المخطط الخماسي 2010/2014 والذي يصادف مدة الولاية
الرئاسية الجديدة من الوصول في آخر فترة
الخطة إلى استيعاب كل الخريجين من حملة الشهادات العليا ، فإن المقبلين هذا العام
على التعليم العالي سيجدون أنفسهم على أعتاب فترة ستوفر التشغيل الكامل لكل الخريجين في أفق 2013/2014.
ويبقى
فقط أن ينجح الاقتصاد في توفير الاستثمارات اللازمة للوصول لذلك الهدف ومعه هدف
رفع معدل الدخل الفردي إلى ما فوق 8 آلاف دينار أو ما يفوق بأسعار الصرف الحالية 5
آلاف دولار.
وبالمناسبة
فإن هذا المخطط الجديد الذي يقطع مسار المخطط الحادي عشر، هو أول مخطط في تاريخ
تونس المعاصر الذي يأتي قبل استكمال مخطط جار به العمل، باعتبار أن الأهداف التي
حددها طموحة جدا ، وباعتبار انه سيكون تنفيذا
للمشروع الانتخابي الرئاسي القائم على 24 نقطة، والذي ينص ( أي المخطط )على
الانتهاء من البطالة والقضاء على تعطل
حاملي الشهادات العليا.
وكانت
تونس عرفت منذ سنة 1962 - 11 مخططا الأول
ثلاثي (1962-1965) والثاني والثالث رباعيان ( 1966-1969) و( 19670- 1973) والبقية
الباقية كلها مخططات خماسية.
وما
يهمنا في هذا المقال هو تداعيات العمل الحكومي على ملاءمة التكوين في التعليم
العالي مع حاجيات سوق الشغل، ولعل الإصلاحات الجديدة في خصوص التوجيه الجامعي ترمي أساسا للوصول للهدف المرسوم بشأن القضاء
على بطالة الخريجين ، على أمل أن يتم تحقيق ذلك فعلا.
أما الخطة الجديدة فستكون موضوع مقال آخر في وقت
قريب.
· كاتب صحفي رئيس
التحرير الأسبق
ليوم الخميس
مخطط تونسي جديد..
قبل الأوان
بقلم عبداللطيف الفراتي*
عرفت تونس اعتماد مخططات التنمية منذ
سنة 1962، على يد الوزير القوي النفوذ آنذاك
أحمد بن صالح ذو التوجهات الاشتراكية التجميعية ، والذي انتهت تجربته سنة
1969، بإقالته من كل مناصبه الوزارية السبعة التي جمع خيوطها ، وذلك قبل أن يصار
إلى محاكمته في سنة 1970، حيث هرب لاحقا
من السجن، وبقي 16 سنة في المنفى ولم يعد إلا بعد سقوط الرئيس بورقيبة
وتولي الرئيس بن علي مقاليد الأمور في العام 1987، حيث عاد إلى البلاد واسترجع حقوقه المدنية ، وتم دفع كل مرتباته
التي حرم منها طيلة فترة سجنه ومنفاه.
والمهم أن السياسة القائمة على
التخطيط انطلقت انطلت وتواصل التعامل بها
وحتى الآن.
وفي الأثناء تم اعتماد مخطط ثلاثي
(1962/1964) باعتبار أن أجهزة الدولة لم تكن مسيطرة ولا متعودة على العمل
التخطيطي، ثم تم اعــــــــــــــــــــــتماد مخططين رباعيين ( 5196/1968)
و(1969/1972) عندما تعودت الإدارة العمومية على سيطرة أفضل على الأداة التخطيطية بتراكم
التجربة، ومنذ ذلك الحين تم اعتماد مخططات خماسية كانت أحسن تقديرات وأقدر على
التصور والبلورة والتنفيذ وهو ما استمر من سنة 1973، وحتى الآن.
وكان مفترضا أن يتواصل العمل بالمخطط
الحالي حتى آخر 2011بوصفه المخطط الخماسي الثامن والمخطط عموما الحادي عشر، غير أن
الحكومة التونسية ارتأت أن تقطع السلسة فتم إعداد مخطط خماسي جديد ، يطلق خطة
جديدة تمتد من سنة 2010 وتستمر حتى سنة 2014.
وكمبرر للقطع مع المخطط الحادي عشر
المعمول به فإنه يمكن ذكر عنصرين اثنين:
أولهما : إرادة في ملاءمة الخطة مع
الولاية الرئاسية الجديدة للرئيس بن علي
التي بدأت في شهر نوفمبر 2009 وهي ولاية انطلقت ببرنامج رئاسي طموح جدا ووعود
انتخابية تستهدف تحويل تونس في 5 سنوات من دولة نامية إلى دولة متقدمة بمعدل للدخل
الفردي يتجاوز 8 آلاف دينار تونسي أي ما يفوق 5 آلاف دولار، وهي العتبة التي
تعتبرها الأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية فاصلا بين وضعين.
وثانيهما : التلاؤم مع عناصر الحسابات
القومية كما حددتها الأمم المتحدة ، كتعويض للحسابات القومية التي كانت اعتمدتها
الأمم المتحدة منذ سنة 1983، والتي ارتأت تعويضها بطريقة جديدة للحسابات القومية
منذ بداية 2010، وتعتمد الأمم المتحدة أسلوبا موحدا لكل بلدان العالم لتحديد
الحسابات القومية ، يمكن من تحديد حسابات عالمية لقياس الثروة ، ويمكن من
المقارنات اللازمة بين الدول وترتيبها.
وكان الرئيس بن علي قد حدد برنامجه
الانتخابي للولاية الحالية ( 5 سنوات) في
خطاب اعتبر منذ إلقائه عند تدشين الحملة
الإنتخابية مرجعا جاء فيه "إننا نتقدم لشعبنا ببرنامج جديد اخترنا له
شعارا"معا لرفع التحديات" وذلك للسنوات الخمس القادمة ويمهد في الآن
نفسه للمراحل التي ستليه والتي تمتد إلى أواخر العشرية القادمة وما بعدها ،،، وهو
برنامج أهدافه الكبرى مزيد الرفاهة والازدهار لشعبنا وبلوغ مصاف الدول
المتقدمة".
واعتمدت توطئة المشروع الذي سيعرض على
مجلس النـــواب وكذلك مجلس المستشارين
لاحقا للتصديق عليه المحاور الأربعة والعشرين للبرنامج الانتخابي الرئاسي
كقاعدة عمل ترمي " للدخول بتونس إلى مرحلة متقدمة في مسيرة اللحاق بالدول
المتقدمة".
وإذ تم القطع مع مخطط قائم وجار به
العمل وهو ما يحصل لأول مرة منذ قرابة 50 سنة من العمل الاقتصادي المخطط ، وذلك
قبل نهايته بعامين ، فإن الهيكلية التخطيطية قد عرفت وفقا للمخطط الجديد تغييرات
عميقة ، اعتمادا للتوجيهات الجديدة للأمم
المتحدة بشأن كيفية الحسابات القومية .
ولن ندخل في تفاصيل التوجيهات الجديدة
للأمم المتحدة ، وهي تفاصيل تستحق مقالا قائم الذات ، وإن كانت مستعصية وفنية بشكل
معقد، ولكن سنذكر فقط أن الخدمات والسلع الغير مسوقة( بفتح السين والواو والقاف
وتشديد الواو) أصبحت بالطريقة الأممية الجديدة للحسابات تدخل في حساب الناتج
الإجمالي ، وبالتالي يكون لها تأثير على معدل الدخل الفردي.
وبالنسبة لتونس ووفقا لما اقتضته
الخطة المشروع المقدم فإن نسبة النمو بالأسعار الثابتة للعام 2008 قد مرت من 5 في
المائة إلى 5.1 في المائة باعتبار اعتماد خدمات وسلع لم تكن مسوقة قبل الآن
واعتبرت لها قيمة سوقية وفق التوجيهات الجديدة للأمم المتحدة.
هذا بالنسبة لنسبة النمو وتطورها ولكن
وبالنسبة لمعدل الدخل الفردي ، فإن اعتماد طريقة الحسابات القومية الجديدة التي
ضبطتها الأمم المتحدة أدى إلى ارتفاع في حسابات ذلك الدخل للعام 2008 من 4889
دينارا للفرد إلى 5312 دينارا أي بزيادة 463 أو 10 في المائة، علما وأن هذه
الزيادة في معدل الدخل الفردي هي زيادة محاسبية.
وهي تصلح أساسا بالنسبة للمقارنات على
الصعيد الإقليمي أو على الصعيد الدولي من حيث أنها تحسن ترتيب تونس، على أساس أن
الحسابات القومية الجديدة للأمم المتحدة لا تنتج حتما مثل هذه الزيادة في كل
الأقطار.
وهذه الحسابات ونموذجها مطالبة كل دول
العالم بإتباع تعليماتها، لتوحيد أساليب الحسابات القومية ما يمكن فعلا من
المقارنة وضبط الحسابات العالمية للثروة وتطورها ونسب النمو الإقليمية والدولية
التي تنشر تباعا و دوريا من قبل مصالح المنتظم الأممي.
وتتوقع الخطة الجديدة الممتدة حتى سنة
2014 أن يرتفع معدل الدخل الفردي بالأسعار الجارية في آخر فترة تلك الخطة إلى 8
آلاف و363 دينار أي بأسعار صرف الدولار الحالية حوالي 5800 دولار أي فوق الخمسة
آلاف دولار التي تعتبر ضمن مقاييس أخرى مغادرة ما يسمى بكوكبة الدول النامية إلى
كوكبة الدول المتقدمة،هذا فضلا عما تتيحه مقارنة ما أصبح يسمى بالدخل الفردي قياسا
إلى مرادفه بالقيمة الشرائية.
· كاتب صحفي رئيس
التحرير الأسبق
يوميات صحفي
لن أكف ..
قال لي صديق يتابع ما أكتبه وأين ما
كتبت، ألن تكف عن الكتابة عن اللغة العربية، وغيابها في الشارع وفي الإدارة وفي
حديث الناس. وفي المحلات التجارية وعلى واجهاتها لدرجة غيابها في حين أن إعلان
التخفيضات الموسمية يتم بلغات بعضها غير معروفة تماما في تونس أو غير مستعملة
البتة.
ألم يصبك اليأس من أن الأمر يزداد
تفاقما وأنت كمن ينقش في الماء ، أما زلت تنتظر بقية أمل؟
ألم تدرك أن الحضور الفرنسي طاغ إلى
درجة أنه تجاوز الإرادة السياسية الوطنية، وأن هناك شعور بأن اللغة الوطنية قد
تجاوزها الحدث، وأن المستقبل هو للغة الفرنسية ، لغة العلوم والطب والإقتصاد.
فقط إرادة حكومية بالعودة إلى الدستور
ونصوص القوانين والترتيبات هي التي يمكنها إصلاح الأمر، بالذات العودة لحقيقة أحد
دوافع الكفاح الوطني والتضحيات الكبيرة التي قدمها شعبنا هي التي يمكن أن تعيد
الأمور إلى نصابها.
أليس عيبا أن يكون الإصرار على هذا
القدر من التجاهل للغتنا وهويتنا، ألسنا مقصرين نحو أنفسنا ونحن أجيالنا
الجديدة المنبتة عن واقعها وتاريخها
ومرجعياتها .
139 ألفا ..وبس
دخل 139 الف و147 تلميذا امتحان
الباكالوريا هذا العام.
رقم واحد فقط، لا معلومات عن عدد
الفتيان وعدد الفتيات ، لا معلومات عن عدد المرشحين في كل واحد من الإختصاصات، لا
معلومات عن التوزيع الجغرافي بين الولايات.
مثل هذه الأرقام كانت متاحة في كل
السنوات ،و لكن بدأ الحجب منذ السنة الماضية، فمن وراءها ، وما هي فائدتها ، وما
هو ضررها.
في زمن الشفافية يبدو الأمر في غاية
الغرابة ، معاكسا لطبيعة الأشياء.
هل هو الخوف من التحاليل ، ومن إبراز
المقارنات لمعطيات معينة؟
الطاقة الشمسية
في عديد المناطق خاصة على الطريق
السيارة تجري الإضاءة بواسطة لوحات فوتو فولتاييك ، كما تضيء لوحات تعيين سرعة
السيارات على عديد الطرقات بواسطة لوحات طاقة شمسية.
وفوق السطوح ترى أعداد كبيرة من
صهاريج تسخين الماء.
بل إن دولا أوروبية تتجه حاليا لتنصيب كيلومترات مربعة كثيرة لالتقاط أشعة الشمس وتحويلها إلى طاقة
وتصديرها إلى أوروبا.
نتائج الدورة
الرئيسية للباكالوريا تتحدث
تونس /
الصباح / أبو اللطف
من بين 139
ألف يزيدون قليلا من المسجلين تقدم
لامتحان الباكالوريا فعليا 134 ألفا و511
مترشحا ، ما يعني تخلف قرابة 5 آلاف تلميذ عن حضور الإمتحان، أ ي حوالي 3 في
المائة .
ومن بين
المجتازين كان عدد الناجحين في الدورة الأولى طبعا 67 ألفا و520 تلميذا أي 50 في
المائة أو تزيد قليلا ( 50.20 في المائة)، وهي اعلى من نسبة النجاح في السنة
الماضية 2009.
وباعتبار أن
عدد المؤجلين للدورة الثانية بلغ 49 ألف و412 تلميذا (36.73 في المائة) فإن أعداد
منهم ولا بد سينجحون مما يتوقع معه أن تكون نسبة النجاح عالية.
وبنسبة 13.7
في المائة ( 17 ألفا و579 تلميذا) لم
ينجحوا فإن حصيلة الباكالوريا لهذا العام ينتظر أن تكون عالية بعد دورة التدارك
باعتبار الإرتفاع المسجل في الدورة الأولى غير أن ذلك يبقى افتراضا فقط.
وإذ لم يعلن
الوزير حاتم بن سالم عن توزيع عدد المؤجلين حسب الشعب، فإن للمرء أن يستنتج أعداد
الناجحين حسب الشعب من خلال النسب المعلنة للنجاح .
وليس معروفا
بالطبع نظرا لنقص في المعطيات المعلنة عدد
الناجحين في مختلف الشعب بل نسب النجاح فقط ، فإنه وبحسب المعلومات المتاحة لدينا
لا يمكن لا اسنتاج عدد الناجحين في كل شعبة ولا عدد المؤجلين ولا عدد الراسبين.
والرقم الوحيد المتاح هو عدد المترشحين الفرديين في شعبة الإعلامية وهو 145 دون أن
ينجح منه أحد.
وإذ نجح
57.24 في المائة من المعاهد العمومية أي أعلى من النسبة المتوسطة للنجاح ب 7 نقاط
كاملة، كما نجح 17.49 في المائة من المترشحين من
المدارس الخاصة فإن الفرديين وعددهم 1994 وهو رقم آخر تم الكشف عنه لم ينجح
منهم سوى 15 عدا المؤجلين للدورة الثانية وعددهم 371 ما يستنتج معه أن عدد
الراسبين من الفرديين حتى الان هو 1608أي قريبا من 80 في المائة ، هذا عدا من
سيرسبون بعد دورة المراقبة.
وما هو متاح
أن من يتابعون تعليما منتظما سواء في المدارس العمومية أو في المدارس الخاصة بلغ
132 ألفا و526 تلميذا مترشحا .
فقط ومن جهة
تفصيل بعض الأرقام فإن المرء يستطيع تاكيدا لكلام الوزير ف أن يقول إن عدد الناجحات بين البنات يساوي مرة ونصفا هذا
العدد بين الذكور.
ففيما نجحت
البنات بعدد يصل إلى 41 ألفا و175 (60.98) في المائة من مجموع الناجحين) فإن عدد الأولاد الناجحين لم يفق 26 ألفا
و345 تلميذا (39.02 في المائة إلى مجموع النجاح).
وبجمع
العددين فإننا نصل لمجموع عدد الناجحين في الدورة الأولى أي 67 ألفا و520 ناجحة
وناجح .
وباعتبار ما
قاله الوزير من أن عدد البنات المترشحات بلغ 57 في المائة تقريبا وعدد الأولاد المترشحين بلغ 43 في المائة
فالمستنتج هو وعلى سبيل التقريب باعتبار أن النسبة المعتمدة تقريبية وليست دقيقة
أن عدد الأولاد المجتازين هو 57 ألفا و840 تلميذا ( على وجه التقريب وعدد البنات
76 ألفا و671)أي بقرابة فارق بالنقص 19
ألفا.
ورغم ذلك فإن
البنات الناجحات كانت نسبتهن أكبر من نسبة نجاح الأولاد حتى بالقياس لعدد
المترشحين ، فليس عدد المترشحات أكبر فقط ولكن حتى نسبة النجاح إلى الترشح أكبر.
وهكذا يمكن
استنتاج واضح وإن كان تقريبيا لعدم توافر كل المعطيات وهو أن نسبة النجاح بين
الفتيات بلغت في الدورة الأولى حوالي 54 في المائة إلى جملة المترشحات فيما بلغت
بين المترشحين حوالي 45 في المائة.
أي إنه وإن كان عدد المترشحات أكبر من عدد المترشحين
بقرابة 19 ألفا فإن نسبة النجاح لدى الأولاد بدت متدنية بما بين 8 و9 في المائة عن
النسبة بين البنات بالقياس إلى عدد كل منهما.
هذا بدون
الحديث عن التفوق فقد بدا حسب أرقام صدرت عن الوزارة أن 7 من المتفوقين بالمراتب
الأولى احتكرت 6 منها البنات ومقعد واحد للأولاد. أي إن الأول في كل الشعب كان
فتاة باستثناء شعبة واحدة شهدت تفوق شاب.
++++++
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق